ذكروا عن سفينة خادم رسول الله، أنه رجع من الغزو، فإذا بالأسد يعترض الناس في الطريق، فما استطاع أحد أن يجاوزه، فتقدم إلى الأسد وقال: أيها الأسد! أنا سفينة صاحب رسول الله، عزمت عليك لتخلين الطريق لنمضي، فإذا بالأسد يذهب بعيداً، ويخلي الطريق! بماذا طرد سفينة الأسد؟! هل طرده بسيفه ورمحه؟ لا والله! إنما طرده بإيمانه وصحبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
إذاً: لو قال قائل: إن إخوة الإيمان تربط بين جميع خلق الله فلا يستبعد عن ذلك أبداً،: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه) ، فالأخوة الإسلامية ذللت كل شيء لهؤلاء المسلمين.
وهذه الآثار تبين لنا معنى نفي الإيمان في هذا الحديث، وأنه نفي كمال وتمام الإيمان، كما جاء في نظير ذلك: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن) ، قالوا: يسمى مسلماً ولا يسمى مؤمناً، فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وتقدم الكلام على أن الأخوة هنا: (أن يحب لأخيه) هي أخوة الإيمان، وليست أخوة النسب، بل أخوة الجنس البشري، كما في رواية: (يحب للناس ما يحب لنفسه، ويكره للناس ما يكره لنفسه) ، وأشرنا إلى مدى آثار الأخوة في الله، وذكرنا قضية ابن أُبي وولده عبد الله، وما قاله عند الرجوع من غزوة بني المصطلق، ووقوف ولده أمامه عند باب المدينة ليمنعه من دخولها حتى يأذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذه تبين لنا كيف ألقى الرابطة بينه وبين أبيه من جانب النسب، وقوى الرابطة بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين بعلاقة الإيمان.