الإحسان في الإسلام قاعدة عامة في جميع الأعمال، (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته) ، فإذا كان المولى سبحانه كتب الإحسان على كل شيء فلأن تحسن إسلامك من باب أولى، وكيف تحسن إسلامك؟ تصون أعمالك وأقوالك مما ليس منه، ويقول العلماء: لا تحسد أحداً على ما هو فيه، ولا تحقد على أحد في شيء فعله، ولا تسيء الظن بإنسان لكلام تكلمه، ويقولون: (إن رجُلاً جاء إلى لقمان الحكيم، وهو في مجلسه، والناس يأخذون عنه الحكمة، فقال للقمان: ألست كنت عبداً لبني فلان؟ قال: نعم، قال: ألست كنت ترعى الغنم في جبل كذا؟ قال: نعم، قال: ماذا بلغ بك ما أرى الآن؟ قال: قدر الله، وصدق الحديث، وعدم دخولي فيما لا يعنيني) ، كان عبداً مملوكاً يرعى الغنم، تخلق بهذه الأخلاق، فوصل إلى ما وصل إليه، وأوتي الحكمة!! : {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} [البقرة:269] .
وهكذا على الإنسان في نفسه، وفي مجتمعه، فإن كان موظفاً في دائرة، وله اختصاص في عمله، فلا يأتي بفضوله يتتبع عمل الرئيس أو المدير أو الزملاء الآخرين، ويقول: أنتم فعلتم كذا وكذا، فهذا لا يعنيك، وليس من اختصاصك، فلماذا تترك عملك وتنتقل إلى دائرة أخرى؟! لو أن رجلاً يعمل في مستشفى، وفيه عدة أقسام بالنسبة للأطباء، وجاء طبيب أسنان يعترض على طبيب جراح، ويقول له: أنت فعلت كذا وكذا، فنقول له: مهمتك هي في الضرس والسن، فلماذا تتدخل في أمر الجراحة؟ فهل هذا يعنيك؟ وبالعكس: طبيب جراح يسمع عن أعمال طبيب الأسنان، فيأتي ويقول له: يا أخي! أنت تكسر الضروس، فهل هذا مما يعنيه؟ لا.
ولو ترك كل إنسان ما لا يعنيه ما وقع حسد، ولا وقعت خصومة، ولا وقع غل في صدر أحد، ولا تعطلت أعمال الناس، فإذا انقطع كلٌ لما يعنيه لتوفرت كل الأعمال.
مثلاً: مصنع نسيج القطن، فيه مكينة تغزله، ومكينة تنسجه، فلو جئنا بمكينة الغزل لتعمل مكان مكينة النسيج، أو مكينة النسيج لتعمل عملية الغزل، فهل يمكن هذا؟ لا يمكن هذا، فقد أشغلت جهازاً فيما لا يعنيه، وهو لا يصلح له، وكذلك الإنسان إذا تدخل فيما لا يعنيه أفسده، وإذا لزم ما يعنيه قام بواجبه وبعمله، وكان كل شيء على ما يرام.