لو نظرنا إلى حياة الناس في كل زمان ومكان، نجد الأمثلة على ذلك، فإذا كنت طالباً تمشي في الطريق، ووجدت اثنين يتحادثان، وجلست تتسمع لهما، فهل هذا يعنيك؟ هذا لا يعنيك، وقد أضعت وقتاً، وارتكبت إثماً، ونظر الناس إليك بما لا يليق، وتركت ما لا يعنيك، فلا تتجسس على أحد، ولا تتبع عورات الناس.
ولو تزوج إنسان ثم سئل: كم دفع صداقاً؟ ومن هي المرأة؟ وكيف خطب؟ وكيف؟ وكيف؟ فهذا لا يعنينا.
أو إنسان مات، فتأتي تسأل: كم عنده من الأولاد؟ وكم؟ وكم؟ والعوام يقولون: أردب ما هو لك، لا تحضر كيله، ما ينوبك إلا شيله، وهذا مثل عاصي يحذر من التدخل فيما لا يعني.
وإذا رأيت مزارعاً في أرضه يحرثها أو يعمل فيها، فنقول: كيف تحرثها؟ ولأي شيء تحرثها؟ وماذا ستزرع فيها؟ فهذا لا يعنيك، وإذا كنت تريد أن تشتري أرضاً، وتريد زراعتها، فعند ذلك لك أن تسأل.
وقد أكثر العلماء من الأمثلة على ترك ما لا يعني، والقاعدة العامة: أن تنظر ماذا سيعود عليك هذا العمل من نفع؟ فإن كان سيعود عليك نفع منه فهذا يعنيك، وإن كان لن يعود عليك منه نفع فهو لا يعنيك، ونفع المسلم قد يكون في دينه، يتعلم علماً ويعمل به، وقد يكون في بدنه يحفظه ويصونه ويغذيه، أو يستر عورته وقد يكون في ماله يحفظه ويصونه وينميه، وقد يكون عرضه يصونه عما يدنسه.
في دينك: كأن تتعلم شيئاً تجهله، وأن تعمل بشيء أنت تاركه، وفي بدنك: أن تعالجه وتحافظ عليه وتطعمه وتكسوه، وفي مالك: بأن تنميه وتحفظه عن الحرام وغير ذلك، وفي عرضك: بأن تحفظه وتصونه من مواقف السوء كما علمنا صلى الله عليه وسلم، فقد ورد (أنه كان معتكفاً في رمضان، وجاءت زوجه صفية رضي الله تعالى عنها، فتحدثت عنده ساعة، ثم أرادت أن ترجع، فقام معها ليقلبها إلى بيتها، فرأى رجلين يسرعان الخطى، فوقف ووقفت معه وقال: على رسلكما! إنها صفية، فقالا: سبحان الله! يا رسول الله! فقال: إني خشيت أن يقذف الشيطان بشيء في نفوسكما فتهلكا) .
فيجب على المسلم ألا يقف في موقف شبهة.