ما الذي يعني المسلم وما الذي لا يعنيه؟ (يعنيه) أي: تتعلق العناية به، وتتعلق مصلحته بعين ذلك الشيء، فهذا الفعل يعنيه، وهذا الفعل لا يعنيه، ولذا قسم العلماء الأعمال بالنسبة لهذا الحديث أربعة أقسام: أمر يعنيك فعله، وأمر لا يعنيك فعله، وأمر يعنيك تركه، وأمر لا يعنيك تركه.
فإذا فعلت ما يعنيك وتركت ما لا يعنيك فقد جمعت الحسنيين، أما إذا تركت فعل ما يعنيك فهذا تقصير، وإذا فعلت ما لا يعنيك فهذا فضول، والكمال في فعل ما يعنيك وترك ما لا يعنيك، ولم يبق في عمل الإنسان وحياته قسم خامس بعد هذا.
والعاقل لا يضيع وقته عن أمر يعنيه ولا يفعله، فهذا تفريط في حقه وضياع، والعاقل لا يترك الأمر الذي يعنيه، ولا يتبع ما لا يعنيه ويفعله، وقد ذكر العلماء أن من علامة سخط الله على العبد أن يشغله بما لا يعنيه خذلاناً له.
وما اشتغل إنسان بما لا يعنيه إلا ضيع ما يعنيه؛ لأن العمل إما يكون في الحق وإما الباطل، وليس بعد الحق إلا الضلال، فإن شغلت وقتك في الحق وما يعنيك لم يبق عندك وقت لما لا يعنيك، وإن ذهبت إلى ما لا يعنيك فوت وضيعت ما يعنيك.
قال العلماء: أهم ما يعنيك فعل الواجبات، وأهم ما لا يعنيك فعل المحرمات، فمن حسن إسلام المسلم تركه ما لا يجوز له فعله؛ لأنه لا يعنيه، فترك المحرمات والمكروهات، وترك الكبائر والصغائر مما يعني الإنسان تركه، والشخص إذا ترك المحرمات والشبهات والمكروهات يسلم ولو قصر في الواجبات، لكن إذا أخذ من هنا، ومن هنا، فقد خلط عملاً سيئاً وآخر صالحاً.
إذاً: هذا الحديث كما يقول العلماء: ربع الإسلام، أو نصفه، أو كله: (من حسن إسلامه تركه ما لا يعنيه) ، هذا منطوقه، ومفهومه المقابل: (فعله ما يعنيه) ، وكأن هذا الحديث يضع المقياس للإنسان المسلم في حياته، ليعلم: ماذا يفعل، وماذا يترك؟