بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: هذا الحديث الثاني عشر من أحاديث الأربعين النووية، وهو حديث أنس بن مالك خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ، وهذا الحديث على وجازة ألفاظه يعده بعض العلماء نصف الإسلام، وبعضهم يقول: هو الإسلام، وبعضهم يقول: ربع الإسلام؛ لأنه من جوامع الكلم التي خص بها النبي صلى الله عليه وسلم؛ فمع قصر ألفاظه، وقلة كلماته، اشتمل على آداب الإسلام.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من حسن) (من) للتبعيض، و (حسن) الحسن في الشيء زيادة في جماله وكماله وتحسينه.
إذاً: هناك محسنات لغيرها، وورد فيما يتعلق بعنصر الإحسان حديث جبريل عليه السلام، حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام ثم الإيمان ثم الإحسان، وكان الجواب النبوي الكريم عن الإحسان: (أن تعبد الله كأنك تراه) ، فالعبادة أصل، وإحسانها: أن تراقب الله حال عبادتك إياه كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، فيوجد عبادة، وإحسان تلك العبادة.
وهكذا الإنسان إذا بنى بيته، وأقام أركانه، يأتي بمحسنات، ويأتي بوسائل التجميل لهذا البيت.
إذاً: (من حسن إسلام المرء) ، يعمل بهذا الحديث من اكتمل إسلامه بأركانه، ثم هو يأخذ في المحسنات، ومن هنا قالوا: محسنات الإسلام، قد تندرج تحت هذا الحديث وقد لا تندرج، كما جاء عنه صلى الله عليه وسلم: (البر حسن الخلق) ، وحسن الخلق من محسنات الإسلام، وهنا أيضاً: (من حسن إسلام المرء) ، و (المرء) هنا مذكر، ويؤنث بامرأة، والأصل في الأسماء الذكورة، ثم تأتي الأنوثة لها علامة زائدة، فتقول: امرؤ وامرأة، والتاء للتأنيث تكون زائدة عن لفظ المذكر، وقد يطلق (المرء وامرؤ) ويشمل الجميع بالتبع، كقوله هنا: (من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه) ، وهذا الحديث يتعلق بجوانب الترك، والترك هو الكف، وفي عرف الشرع واللغة: الكف فعل، ومن كف عن سيئة فله حسنة، وكما قال القائل عند بناء المسجد النبوي، والرسول صلى الله عليه وسلم يشارك معهم: لئن قعدنا والنبي يعمل لذاك منا العمل المضلل فجعل قعودهم عن العمل عملاً، إذاً: الكف فعل على الصحيح من أقوال العلماء.
إذاًَ: ترك ما لا يعني فعل، ومن هنا كان هذا الترك من محسنات الإسلام.