يقول العلماء: التحرز من الريبة يجب أن يكون بعد اجتناب كل محرم، لا أن يكون يتعامل بالربا الصريح، ثم يتورع عن كسب ما فيه ريبة! فهذا متناقض، وذكر بعض العلماء عن أحمد رحمه الله أن رجلاً قال له: أتأذن لي أن أكتب من دواتك؟ فنظر إليه وقال: هذا ورع مظلم، يعني: تتورع من الكتابة من الدواة، فهل قد تجنبت كل ما فيه شبهة أخرى؟ وسئل عن رجل طلبته أمه أن يطلق زوجته: أيطلقها براً بأمه؟ فقال: إذا كان قد بر أمه في كل شيء، ولم يبق إلا هذا فليفعل، أما أن يبرها في طلاق زوجته ثم يضربها، فليس هذا ببر.
ويذكرون عن عبد الله بن عمر أنه جاءه أهل العراق يستفتونه في دم البعوض، فقال: واعجباً لكم! تستفتونني في دم البعوض، وقد قتلتم الحسين بن علي! والورع قسمان: - ورع من أهله، فهو من أهل الورع.
- وورع مصطنع مظلم، فهذا بينه وبين الله.
وهذا الحديث -أيها الإخوة- لو تدبره الإنسان وعمل به، فإنه يرسم له منهج حياته: فيما يدع، وفيما يأخذ، وفيما يتناول من طعامه وشرابه ولباسه، وفيما يتقي الله في كسبه، وقد قال العلماء في الحديث الذي قبله: لو أن إنساناً اشترى ثوباً بعشرة دراهم، وفيه درهم واحد حرام؛ ما قبل الله صلاته في ذلك الثوب!