وهنا يسجل الله سبحانه للهجرة وللمهاجرين الأولين فضلهم، فيقول كما في سورة الحشر {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8] ، فهذه شهادة من الله للفقراء المهاجرين، فقد كانوا فقراء بعد الهجرة، وليسوا فقراء قبلها؛ لأنه يقول تعالى: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ} [الحشر:8] إذاً كانت لهم ديار وكانت لهم أموال.
وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم لما جاء في فتح مكة وسئل في أي بيت من بيوتك ستنزل يا رسول الله؟ قال: وهل ترك لنا عقيل من بيت أو دار؟ فالمشركون أخذوا بيوت المهاجرين وباعوها، واستولوا عليها، والمهاجرون تركوا ديارهم وتركوا أموالهم، وهذا صهيب لما خرج مهاجراً وأدركه المشركون وقالوا: جئتنا صعلوكاً لا مال لك فلما أثريت بالمال تخرج وتهاجر، والله لا يكون ذلك أبداً، فقال: يا معشر قريش أويهمكم المال؟ إنكم تعلمون والله إني لرام لا يخطئ سهمي، وإن كنانتي ملأى، فإن كان همكم المال، فدونكم المال قد دفنته في مكان كذا، ارجعوا إليه فخذوه، فتركوه ورجعوا، وهاجر وبشره رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: (ربح البيع أبا يحيى) .
إذاً خرج المهاجرون من ديارهم وأموالهم، لما هو أعز من ذلك، ولذا ننظر المعادلة، {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنْصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} [الحشر:8] ماذا كانت المعادلة من إخوانهم الأنصار {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} [الحشر:9] ؛ هكذا المعادلة: مهاجرون تركوا ديارهم وأموالهم لله فوجدوا إخوانهم يؤثرونهم على أنفسهم؛ فمن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه، وسجل الله للفريقين الفضل العظيم والشرف الكبير، سواء المهاجرون الذين يريدون بهجرتهم نصرة الله ورسوله، ويقر لهم سبحانه بذلك، ويشهد لهم بأنهم صادقون في هجرتهم.