قال صلى الله عليه وسلم: (حتى يشهدوا) يتفق علماء اللسان على أن حتى: حرف غاية، وأن ما بعدها يغاير ما قبلها (أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله) فإذا شهدوا هل يستمر القتال، أم يتوقف؟ يتوقف، إذاً: (أقاتل) حتى يأتي ما بعد حتى، وهو: أن يشهدوا، والشهادة من المشاهدة، كما قال سبحانه {وَأَشْهِدُوا ذَوَي عَدْلٍ} [الطلاق:2] والشاهد سمي شاهداً: لأنه يشاهد ويعاين الحادثة التي يشهد عليها، سواءً كان برؤية أو بسماع، ومن هنا قال سبحانه: {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة:185] أي: دخل عليه الشهر وهو حاضر، سواءً كان شهده بعينه، أو شُهد وأُخبر فسمع وعلم بدخول الشهر.
والشهادة بأن لا إله إلا الله يقر بمعناها، وينطق بمبناها، وتقدم في حديث جبريل عليه السلام حينما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسأله: (أخبرني عن الإسلام ... ) وذكر له أول ما ذكر: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) .
ونلاحظ هنا في الحديث: (أن يشهدوا) ولم يقل: أن يقروا، فقد يقر الإنسان بشيء لم يشهده، فالشهادة أخص وآكد من الإقرار، ومن هنا كان قول المسلم: أشهد أن لا إله إلا الله، كأنه يقر بأمر مشهود محسوس عنده بيقين، ولذا أجمع العلماء على أن العقائد لا يكفي فيها غلبة الظن كما هو في أمور العبادات والمعاملات، بل لا بد أن تكون على يقين وقطع جازم.
وهنا يبحث علماء الكلام: هل يكفي في إثبات العقائد أحاديث الآحاد وهي ظنية الدلالة، أو لا يدخل في باب العقائد إلا قطعي الدلالة من نص آية أو حديث متواتر؟ تجدون في كتب الأصول الخلاف في هذا، ومما بينه أو سجله والدنا الشيخ الأمين رحمة الله تعالى علينا وعليه في مبحث نسخ الكتاب بالسنة هل وقع أو لم يقع؟ وجائز عقلاً ولم يقع شرعاً إلى غير ذلك، نص على أنه بناءً على أن الحديث وإن كان آحاداً إذا صح سنده، ثبتت به أمور العقائد، ولهذا كثير من الأسماء والصفات إنما جاءت بأخبار الآحاد، وتلقاها المسلمون بالقبول، والسنة وحي كما قال تعالى {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3] .
قال: (يشهدوا أن لا إله إلا الله) فالعقيدة لابد فيها من جزم، ولابد فيها من قطع، كما تقر بمشاهد محسوس تراه بعينك أو تسمعه بأذنك أو تلمسه بيدك.