إنما سمي الجهاد جهاداً لبذل الإنسان جهده وهو أقصى طاقته في قتال العدو، والنص الصريح هنا (أمرت أن أقاتل الناس) الناس: عامة، وكما يقولون: ناس ينوس إذا تحرك أو صوّت، وتشمل جميع الطوائف من غير المسلمين، فتشمل اليهود والنصارى وأصحاب الأوثان والصابئين وغير ذلك، ولكن جاءت النصوص الأخرى وخصت هذا العموم فأخرجت منه أهل الكتاب؛ لأنه يكتفى منهم بالجزية، فإما أن يسلموا، أو يؤتوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وإما أن يقاتلوا.
أما بقية الناس من المشركين ومن لا كتاب لهم فإنهم ليس لهم إلا أحد أمرين: إما الإسلام، وإما القتال.
ويختلفون في بعض الطوائف كالمجوس وغيرهم، هل يُلحقون بأهل الكتاب لقوله عليه الصلاة والسلام: (سنوا بهم سنة أهل الكتاب) ؟ وهل ذلك يشمل الجزية؟ والذي يهمنا أن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه أُمر بقتال الناس، واستثنى منهم الشيخ والمرأة والطفل، فقد كان صلى الله عليه وسلم إذا غزى أو جهز جيشاً أو بعث سرية، قال: (لا تقتلوا امرأة ولا طفلاً ولا شيخاً هرماً) أي: ما اجتنبوا القتال، وكذلك فعل الخلفاء الراشدون رضي الله تعالى عنهم، وقد جاء أيضاً: (ستجدون أقواماً عكفوا في صوامعهم فدعوهم وما اعتكفوا عليه) .
إذاًَ: (أمرت أن أقاتل الناس) عام وخصص منه أهل الكتاب، ثم الذين يقاتَلون والباقي بعد التخصيص أفراد منهم وطوائف لا تقاتل إلا إذا شاركوا في القتال، فالمرأة لا تقتل إلا إذا شاركت في القتال، والطفل لا يقتل، والشيخ الكبير لا يقتل إلا إذا شارك برأي أو بفكر أو بتخطيط أو مكيدة أو غير ذلك.