أما مسلم فهو إمام بلا نزاع، لكن كونه أعلم من غيره بهذه الصناعة، كتابه ثاني الكتب المصنفة بلا نزاع أيضاً عند من يعتد بقوله من أهل العلم، وإن جعله بعضهم هو الأول، لكن يبقى أن الإمام مسلم له أنداد، وله نظراء من كبار المحدثين من الأئمة، فالنظر في هذه الإمامة بالنظر إلى الكتابين، مع أن إمامتهما مجزوم بها لا البخاري ولا مسلم، لكن قولنا: "إماما المحدثين" يعني أنهما أعلم الناس بالحديث، يعني إذا نظرنا إلى الحفظ فالبخاري يحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث ليس بصحيح، مع أنه يوجد من يحفظ سبعمائة ألف حديث.
إذا نظرنا في العلل الإمام البخاري إمام في العلل، لكن أيضاً هناك أئمة علي بن المديني إمام، أبو حاتم إمام، يحيى بن معين وغيرهم أئمة كبار، ومن باب أولى الإمام مسلم، وهذا يدلنا على فضل التأليف، على فضل التأليف.
لو أقول لمجموعة من الطلاب من يذكر لي اسم ابن واره رباعي من يذكره، وما منزلته بين أهل الحديث؟ إمام جبل كبير ليس بالسهل، لكن التأليف خلد ذكر الإمامين، وجعلهما في كل وقت، وفي كل حين، وفي كل بلد يقال: قال الإمام البخاري -رحمه الله تعالى-، قال الإمام مسلم -رحمه الله تعالى-، لكن من يقول ابن واره -رحمه الله-، إلا إذا ورد ذكره في كتب أهل العلم؟ فهذا يدل على أن للتأليف شأناً، وهو الذي يخلد الرجال إذا كان نابعاً من إخلاص لله -جل وعلا-، فأول من يستفيد من المؤلَف المؤلِف، ولذا يقول الإمام مسلم في مقدمة صحيحه: وإذا عزم لي تمامه فأول من يستفيد منه أنا.