نعم الله -جل وعلا- ما ترك له حجة يحتج بها، لا يمكن أن يأتي يوم القيامة ويقول: أنت كتبتني شقياً فكيف تلومني؟ كما تقول الجبرية، لا، ترك له من الحرية، بين له الطريق، هداه النجدين، وبين له الطريق كما لو وجد عنده الماء، وجد عنده الماء، ولا يوجد ما يمنعه منه، نعم، ثم لم يشرب فعطش، من يلوم حينئذٍ؟ لا يلومن إلا نفسه، هو الذي فرط، لو سافر سفراً بعيداً يقطع به المفاوز ولم يحمل معه ماء ولا زاد، فمات جوعاً وعطشاً من يلوم؟ يلوم نفسه؛ لأنه هو الذي فرط، وهو الذي خان نفسه، فالذي بُين له الحلال والحرام، وبُين له طريق الحق والصواب وطريق الضلال ثم اختار الضلال لا يلومن إلا نفسه، العبد له مشيئة وله حرية وله اختيار، لكنه لا يخرج عن مشيئة الله وإرادته، فإذا أذن المؤذن ثم جلس في بيته ولم يصل قال: إنه كتب، هذا مكتوب عليه أنه ما يصلي، واحتج بالقدر على هذه المعايب، ليس له ذلك؛ لأنه ما الذي يدريه أنه مكتوب عليه أنه لا يصلي؟ ومن الذي يمنعه من أن ينهض إلى المواضئ ويتوضأ ويذهب إلى المسجد؟ في أحد يمنعه؟ في أحد حاول أن يقوم للصلاة وعجز؟ هل يمكن أن يقول: والله حاولت أقوم وكلما قمت إلى الصلاة سقطت؟ هذا إذا حاول وعجز معذور، هذا مريض، يصلي على حسب حاله، لكن الذي أعطاه الله -جل وعلا- من القدرة ومن الحرية والاختيار أن يذهب ويتوضأ ويذهب إلى المسجد ويرجع من دون أي معترض، ثم يقول: أنا مكتوب علي أني ما أصلي، الاحتجاج بالقدر على المصائب لا على المعايب، ولذلك لما تحاج آدم وموسى، موسى قال لآدم: أنت أبو البشر خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وأسكنك جنته، أخرجتنا وذريتك من الجنة، يلومه، قال له آدم: كم تجد هذا قد كتب علي قبل أن أفعل؟ قال: قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فحج آدم موسى، يعني ما احتج آدم على المعصية بالقدر، إنما احتج على المصيبة التي نشأت عن هذه المعصية بالقدر، وأما المعصية فذهب أثرها بالتوبة، ما صارت معصية؛ لأن الله تاب عليه واجتباه وهداه، فزال أثرها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له، والتوبة تهدم ما كان قبلها، فاحتج بالقدر على المصيبة الناشئة عن هذه المعصية التي تاب منها ولم تكن بعد ذلك معصية، فلا