((يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم)) جميع المخلوقين ((قاموا في صعيد واحد)) أرض مستوية منبسطة تستوعبهم جميعهم، تستوعب جميع الخلق من الأولين والآخرين، من الإنس والجن ((قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل واحد مسألته)) كل واحد يسأل من هؤلاء الخلق الذين لا يحصيهم إلا الله -جل وعلا-، لو كل واحد سأل وأعطي مسألته، وكل واحد يسأل غير ما سأله غيره ((ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيَط إذا أُدخل البحر)) تأتي بالإبرة الصقيلة التي لا يعلق بها ماء، ولا تشرب الماء، فالمراد بالمخيط الإبرة الكبيرة، المخيط الذي يخاط به، وأكثر ما يستعمل في بيوت الشعر، نعم، المخيط، أما الإبرة الصغيرة تخاط بها الثياب، ((إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر)) هذا في الحقيقة لا ينقص من ملك الله شيئاً، لكن هذا مثال تقريبي، أدخل المخيط أو الإبرة أو أي شيء صقيل ثم أخرجه لا يعلق به شيء؛ لأنه صقيل ما يشرب الماء.
((يا عبادي إنما هي أعمالكم)) تقدم لنا في قصة موسى والخضر أشرنا إليها، وأن العصفور نقر بمنقاره من البحر، وأن الخضر قال لموسى: ما نقص علمي وعلمك أو ما علمي وعلمك بالنسبة لعلم الله إلا كما نقص هذا العصفور من هذا البحر.
((يا عبادي إنما هي أعمالكم)) أعمالكم، كل واحد بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
((إنما هي أعمالكم أحصيها)) أضبطها وأحفظها في كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة ((أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها)) كل يجد جزاء عمله، ((فمن وجد خيراً فليحمد الله)) الذي وفقه على فعل الخيرات ((ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)) لأن الله -جل وعلا- هداه ودله وأرشده وركب فيه من الاختيار والعقل الذي يدرك به ما ينفعه ويضره، ثم بعد ذلك اختار الطريق الثاني ((ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه)).