((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)) الله -جل وعلا- يصف أنه له نفسي {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي} [(116) سورة المائدة] والمراد بذلك ذاته -جل وعلا- مع أن الذات يطلقها أهل العلم على الله -جل وعلا- فيقولون: الكلام في الصفات فرع عن الكلام في الذات، مع أنها بمعنى النفس لم يرد بها دليل صريح، إبراهيم -عليه السلام- كذب ثلاث كذبات كلها في ذات الله، وليس المراد بها في نفس الله، وإنما من أجله، على كل حال حديث صحيح صريح قد يعوز في مسألة إثبات الذات، وأهل العلم يقولون عن الله -جل وعلا- أن له ذات لا تشبه الذوات.
((إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً)) يعني حرم الله الظلم على خلقه، كما حرم عليهم أشياء كثيرة ومنها الظلم، وأقبح أنواع الظلم الشرك {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [(13) سورة لقمان] {الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [(82) سورة الأنعام].
((وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) اعتمدوا هذا التحريم والتزموه، فلا ترتكبوا شيئاً يتضمن ظلماً لأحد، لا للنفس ولا للغير ((فلا تظالموا)).
((يا عبادي كلكم ضال)) ضال تائه عن الصراط المستقيم إما يميناً وإما شمالاً، وهذا أعظم أنواع الضلال، يعني قد يوصف الإنسان بأنه ضال، يعني لم يهتد الطريق الذي يريد أن يسلكه يقال: ضال، ومن الرواة معاوية بن عبد الكريم الضال، ثقة، مع أنه وصف بالضال؛ لأنه ضل يعني ضاع في طريق مكة، وليس هذا هو المقصود، إنما المقصود الضلال الحيد والميل عن الصراط المستقيم.
((كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم)) قد يقول قائل: إن الناس ولدوا على الفطرة: ((كل مولود يولد على الفطرة)) والفطرة الدين، فكيف يقال: إن الناس كلهم ضلال؟ نعم يولدون على الفطرة ثم تجتالهم الشياطين في الغالب.