((كلكم ضال)) وإذا أردنا أن نأخذ الضلال بما هو أعم من الضلال التام فلا بد أن يوجد هذا الضلال حتى عند أصلح الناس، فيحتاج إلى طلب الهداية، الضلال بمطلقه وهو الحيد عن الصراط المستقيم ولو شيئاً يسيراً، هذا موجود عند الناس كلهم، حتى المولود على الفطرة يوجد عنده لا بد أن يوجد عنده شيء من الانحراف إلا من عصمه الله -جل وعلا- من الأنبياء ((يا عبادي كلكم ضال)) وقد حصل من بعض الأنبياء ما حصل قبل النبوة وقبل الرسالة، والخلاف بين أهل العلم في عصمتهم من الصغائر، المقصود أن هذا الوصف الثابت في هذا الحديث لا بد أن يتصف به كل عبد من عباد الله قل هذا الضلال أو كثر، صغر أو كبر، ((كلكم ضال)) هذا الأصل ((إلا من هديته)) فالله -جل وعلا- يهدي من يشاء بأنواع الهداية، هداية الدلالة والإرشاد، وهداية التوفيق والقبول.
((فاستهدوني)) يعني اطلبوا مني الهداية ولا تطلبوها من غيري، ((فاستهدوني أهدكم)) السين والتاء للطب ((فاستهدوني أهدكم)) فنطلب الهداية من الله -جل وعلا- في كل وقت وفي كل حين، ونلهج بها، وهذه مطلوبة من كل أحد، وفرض على كل مصل أن يقول في كل ركعة: {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [(6) سورة الفاتحة] على خلاف بين أهل العلم في مسألة المأموم.
((يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته)) الأصل أن الإنسان يولد في بطن أمه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ثم بعد ذلك يطعم من ثدي أمه ومن كسب أبيه، فالمطعم هو الله -جل وعلا-، والأم والأب ومن سواهم كلهم أسباب لهذا الطعام وهذا الشراب ((فاستطعموني)) يعني اطلبوا مني الطعام ((أطعمكم)) هذا بالنسبة للمولود ظاهر، بالنسبة للكبار يبذلون الأسباب، ويطلبون الكسب والطعام والشراب من الله -جل وعلا-، فمنه -جل وعلا- كل شيء، وهو مصدر، وهو الرازق -جل وعلا-، لكن من يكون على يديه الرزق من المخلوقين هو سبب، ولذا أشرف الخلق -عليه الصلاة والسلام- يقول: ((إنما أنا قاسم والله المعطي)).