((يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي)) الله -جل وعلا- حرم الظلم على نفسه مع أن حقيقة الظلم مستحيلة بالنسبة لله -جل وعلا-؛ لأن الظلم حقيقته التصرف في ملك الغير بغير إذنه، والكل ملك لله -جل وعلا-، فالله -جل وعلا- من كرمه وجوده وفضله وإحسانه وعدله امتنع، منع نفسه من الظلم، وهو الذي منع نفسه، وهو الذي حرمه على نفسه، ولا يتصور أن يوصف هذا التحريم من الله -جل وعلا- وكذلك الإيجاب على نفسه {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [(12) سورة الأنعام] يعني أوجبها على نفسه، فليس للعباد حق على الله -جل وعلا- أن يتصف بالمحرم الذي يتصف به المخلوق، أو الواجب الذي يتصف به المخلوق، مع أن المعتزلة من معتقدهم أنه يجب على الله -جل وعلا- كذا، يوجبون عليه تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً، فالله -جل وعلا- من كرمه وفضله أن منع نفسه من الظلم، امتنع من الظلم، وحرمه على نفسه، ومنعها منه، وأوجب على نفسه أشياء، وكتب على نفسه أشياء.
((إني حرمت الظلم)) وضع الشيء في غير موضعه، هذا حده، مع أن هناك أشياء قد تندرج في هذا التعريف ولا تدخل في الظلم، الذي هو مجرد وضع الشيء في غير موضعه، يعني لو أن إنساناً وضع شيئاً لا أثر له، وأبدل شيئاً بشيء لا أثر له، لنفترض أن سلعتين من السلع المباحة التي تباع في الأسواق جديدة، ما استعملت، فأخذ مثلاً قلم، أخذ قلمين يجربهما في المحل، ووضع غطاء هذا على الثاني والعكس، هذا في غير موضعه، لكن هل يسمى ظلم؟ هذا لا أثر له ألبتة، وبينه وبين الظلم الذي هو أعظم أنواع الظلم الذي هو الشرك بينها مراتب كثيرة جداً لا تعد ولا تحصى، منها ما يصل إلى الكراهة، ومنها ما يصل إلى التحريم، ومنها ما هو أعظم من ذلك، فهذا الحد يدخل فيه كل ما ذكر، لكن هناك أشياء معفو عنها.
ولو نزيد قيد في تعريف الظلم مما له أثر، وضع الشيء الذي له أثر في غير موضعه، أما ما لا أثر له مثلما قلنا في القلم، أخذ قلمين وجربهما وحط غطاء كل واحد للثاني، وهذا لا أثر له؛ لأنهما متفقان في الصنعة وفي القيمة وفي اللون، ما يفرق.