السعيد، ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) أي شيء تشك فيه، أي شيء فيه أدنى شبهة أتركه، كما تقدم في حديث النعمان بن بشير: ((الحلال بين، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه)) هكذا ينبغي لطالب العلم على وجه الخصوص، والمسلم عموماً أن يأطر نفسه على هذا الأمر، يبتعد عن الشبهات ليضع لنفسه سياجاً يأمن معه ارتكاب المحرمات، والنفس لا نهاية لها، وعرفنا في دروس مضت أن سلف هذه الأمة يتركون من الحلال الشيء الكثير؛ لأن النفس إذا ضرت على شيء تعودت عليه لا تطيق فراقه، فقد لا يحصل هذا الشيء الذي عود نفسه عليه من وجه حلال بين، ثم بعد ذلك يرتكب شبهة، يقول: الشبهة الحمد لله ما ارتكبنا حرام، لكن الشبهة تجره إلى الحرام، ((كالراعي حول الحمى)) فكل شيء يقربك من الحرام ابتعد عنه {تِلْكَ حُدُودُ اللهِ فَلاَ تَقْرَبُوهَا} [(187) سورة البقرة].
((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) من كل شيء، هذا ضابط، أي شيء تشك فيه اتركه، ولا تقدم على شيء إلا أن تجزم بأنه حلال، لا شبهة فيه ولا كراهية فضلاً عن أن يكون محرماً.
بعض الناس يستفتي بعض من يتصدر للفتوى ويجيبه بكلام يوافق هواه ومع ذلك نفسه لا ترتاح لهذه الفتوى، ويقول: الحمد لله أفتاني من تبرأ الذمة بتقليده، ووين أروح أدور غير هذا؟ العامة عندهم مثل يقول: ضع بينك وبين النار مطوع، يعني اللي يفتيك خلاص أنت بذمته، صحيح أنت بذمته، وهو آثم إذا أفتاك بغير الحق، لكن مع ذلك ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ((والإثم ما حاك في النفس، وتردد في الصدر ولو أفتاك الناس وأفتوك)) فإذا أفتاك بما يوافق هواك وفي نفسك شيء منه لم تقتنع به عليك أن تسأل غيره، عليك أن تسأل غير هذا الذي أفتاك.