كثرة مسائلهم، يعني عرف عن سلف هذه الأمة الصحابة - رضوان الله عليهم - كانوا لا يسألون النبي - عليه الصلاة والسلام -؛ لأنه جاء النهي عن كثرة المسائل، النهي عن: ((قيل وقال وكثرة السؤال)) فصاروا لا يسألون، إلا في مسائل يسيرة نُص عليها في القرآن, ونقلت في السنة لكن بالنسبة لطول الزمان وكثرة العدد تعتبر أسئلة نادرة, وكانوا يحبون أن يأتي الرجل العاقل من أهل البادية فيسأل النبي - عليه الصلاة والسلام - فيجيبه يستفيدون من الجواب، ثم جرى على ذلك الصدر الأول, إذا سأل الواحد منهم قال: هل وقعت هذا المسألة وإلا ما وقعت؟ فإن قال: واقعة اجتهد أو دفع السؤال إلى غيره، وإن كانت المسألة غير واقعة قال: اذهب حتى تقع, ثم بعد ذلك نتكلف لك الجواب، نتجشم لك الجواب، والآن نسمع من يسأل فلا نسمع في كلامه الله أعلم، بل نسمع بعض من يجيب قبل أن يتم السؤال، وقد يقع خلل في الجواب بسبب ذلك، وكثيراً ما يسأل النبي - عليه الصلاة والسلام – فيسكت, وفي هذا يقول أهل العلم من شراح الحديث: أنه يسكت أحيانا انتظاراً للوحي، انتظاراً للوحي، وقد يكون من فوائد هذا السكوت تربية لمن يتولى الأمر بعده بالتوقيع عن الله -جل وعلا- أن يتريث ويسكت ويتأمل السؤال, وينظر في الجواب ويستفهم, ويستفصل من السائل, ليكون الجواب مطابقاً للسؤال، كثرة مسائلهم, يعني: كانوا في الصدر الأول يكرهون الأسئلة, بل يمنعون الأسئلة التي جاء النهي عنها من الأغلوطات, وعضل المسائل التي يقصد منها إظهار التعالم, أو إعجاز أو تعجيز المسئول, هذا لا يجوز بحال، هذا خلل في القصد، خلل في النية، كثرة المسائل التي يقصد منها التفقه، لكن مع ذلك فيها تشقيق, وإبعاد في النظر إبعاد عن الواقع, فتشقيق المسائل عند سلف هذه الأمة ممنوع، ولذا تجدون كلامهم قليل جداً وبركته كثيرة، وبين ذلك ابن رجب – رحمه الله - في فضل علم السلف على الخلف, وقال: "إن علمهم وكلامهم قليل, لكنه مبارك"، وتجد الواحد في العصور المتأخرة يتكلم على المسألة في مجلد يمكن تلخيصه تخليص الكلام كله بجملة, أو سطر, أو سطرين, أو ما أشبه ذلك، وأُلف كتب يسمونها كتب فكرية, كتاب كامل يدور حول فكرة واحدة يمكن الإفصاح