وإذا مات الإنسان ووضع في قبره فإنه يأتيه منكر ونكير -وهما ملكان- يسألانه عن ربه ودينه ونبيه، وهذه الأسئلة الثلاثة يمتحن بها الإنسان في قبره، فإذا كان موفقاً أجاب بأن ربه هو الله، وأن دينه هو الإسلام، وأن نبيه هو محمد صلى الله عليه وسلم، وإذا كان بخلاف ذلك فإنه يقول: هاه هاه، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته.
وهذه الأسئلة التي يسأل عنها العبد في القبر اشتمل عليها كتاب الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله المسمى (الأصول الثلاثة وأدلتها)، وهو كتاب مختصر مفيد، وموضوعه هو هذه الأسئلة الثلاثة التي يسأل عنها العبد في القبر، حيث تكلم عما يتعلق بالإيمان بالله، والإيمان بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعما يتعلق بالدين، وهذه الأمور الثلاثة جاءت في الحديث الذي في صحيح مسلم عن العباس بن عبد المطلب أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (ذاق طعم الإيمان من رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً)، وكذلك جاء هذا الدعاء عند الأذان، وجاء -أيضاً- في أذكار الصباح والمساء: (رضيت بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً)، وكتاب (الأصول الثلاثة) كتاب نفيس لا يستغني عنه الخواص ولا العوام، ولا يستغني عنه العامي ولا طالب العلم؛ لأنه يتكلم عن هذه الأسئلة الثلاثة التي يسأل عنها الميت في قبره، وقد تكلم عنها بكلام مختصر ومفيد، فلهذا ينبغي لكل إنسان أن يحرص عليها بنفسه، وأن يدل عليها غيره ليستفيد منها.
ثم إن من كان مؤمناً -كما جاء في حديث البراء- وأجاب بالجواب السديد فإنه يفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من روحها ونعيمها، وإذا كان بخلاف ذلك فتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها، فيكون الإنسان منعماً بنعيم الجنة وهو في قبره، أو معذباً بعذاب النار وهو في قبره.
وعذاب القبر ونعيمه من أمور الغيب التي يجب التصديق والإيمان بها، فيجب على الإنسان أن يصدق بكل ما أخبر به الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام من أمور غائبة، سواء أكانت ماضية أم مستقبلة أم موجودة لا تشاهَد ولا تعايَن، كالملائكة والجن الذين يكونوا حولنا، وكما في أخبار ما في السموات مما أخبر به الله عز وجل وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، فكل ذلك يجب الإيمان به، فالإيمان بعذاب القبر ونعيمه من جملة الإيمان بالغيب الذي مدح الله أهله وأثنى عليهم بقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:2 - 3].
أصول الإيمان الستة التي نتكلم عليها كلها داخلة في الإيمان بالغيب، فالإيمان بالله من الإيمان بالغيب، والإيمان بالملائكة من الإيمان بالغيب، والإيمان بالرسل من الإيمان بالغيب، والإيمان بالكتب من الإيمان بالغيب، والإيمان باليوم الآخر من الإيمان بالغيب، والإيمان بالقدر من الإيمان بالغيب، وجميع أعمال اليوم الآخر داخلة في الإيمان بالغيب، والحياة في البرزخ تختلف عن الحياة قبل الموت، وعن الحياة بعد البعث، ولهذا فهي برزخ وحد فاصل بين هذا وهذا، فكل ما أخبر الله تعالى به وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم مما يتعلق بالقبر والدار الآخرة يجب الإيمان به، وقد ذُكر عذاب القبر في القرآن، كما قال الله عز وجل في حق فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46].
وقيام الساعة يطلق على معنيين: أحدهما: نهاية الدنيا التي تقوم عليها الساعة، والثاني: البعث، فإنه يقال له: قيام الساعة.
فالمقصود بقيام الساعة في الآية هو البعث، فقوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:46] أي: في القبور {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر:46] أي أنه عندما يكون البعث والنشور بعد ذلك فإنهم ينتقلون من عذاب شديد إلى عذاب أشد، وعلى هذا فمن كان موفقاً فإنه يصل إليه نعيم الجنة من قبره، ومن كان بخلاف ذلك فإنه يصل إليه عذاب النار في قبره، وقد دل على ذلك الكتاب والسنة، فالكتاب كما في هذه الآية التي في شأن آل فرعون، وأما السنة فكما جاء في حديث البراء بن عازب الذي أشرت إليه، وكذلك غيره من الأحاديث الثابتة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.