وبما أن الإنسان لا يدري متى يموت فإن الموفق هو من داوم على الأعمال الصالحة، وكان على صلة وثيقة بالله باستمرار، فإذا وافاه الأجل فإنه يكون على حال طيبة، بخلاف الإنسان الذي يهمل ويغفل في بعض الأوقات وينشط في بعض الأوقات، فإنه قد يأتيه الموت في حال الإهمال والتقصير، وأما إذا داوم على العمل ولو كان قليلاً فإنه يعود عليه بالنفع، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام (أحب العمل إلى الله ما داوم عليه صاحبه وإن قل)، وكما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] أي: داوموا على الإسلام، وعلى الطاعة، وعلى التقى.
ويقول صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في الحديث الطويل: (فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر، وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه) فقوله: (فلتأت منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر) هو من جنس قوله تعالى: {وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران:102] أي: أن يكون الإنسان مستقيماً وملازماً للتقوى، وقد ذُكر في ترجمة منصور بن زاذان -وهو من رجال الكتب الستة، وكان من الملازمين للعبادة- أنه قال فيه أحد أصحابه أو العارفين به: لو قيل لـ منصور بن زاذان: إن ملك الموت بالباب لما أمكنه أن يزيد شيئاً عن الذي كان يفعله.
لأنه ملازم للعبادة، ففي أي وقت يأتيه الأجل فهو على حالة طيبة من ملازمة التقوى والطاعة لله تعالى، فعلى الإنسان أن يكون مستعداً ومتهيئاً في أي لحظة من اللحظات للموت، فإذا فاجأه الموت فإنه يكون على حالة حسنة طيبة.
وإنّ الإنسان في حال خروج روحه يبشر أو يُخوُّف، فإذا كان من أهل السعادة فإن الملائكة تبشره، ولهذا فإن روحه تخرج بسرعة كما تخرج القطرة من في السقا، وإذا كان بخلاف ذلك وبشر بالعذاب فإن الروح تأبى الخروج من الجسد، فيستخرجونها كما يستخرج السفود من الصوف المبلول، ولهذا جاء في الحديث الذي في صحيح مسلم -وهو أول حديث عند الإمام مسلم في كتاب الزهد- أنه عليه الصلاة والسلام قال: (الدنيا سجن المؤمن، وجنة الكافر)، فالكافر لا يريد أن يخرج من هذه الدنيا؛ لأنه ليس عنده نعيم إلا فيها، فما بعدها إلا العذاب الدائم المستمر، وأما المؤمن فإنه في الدنيا في سجن، أي أنه تحصل له المصائب والنكبات، ومع ذلك فإنه يصبر ويحتسب، ولكنه عندما ينتقل من هذه الدار إلى دار النعيم فكأنه خرج من السجن، فينطلق في نعيم الجنة وخيراتها وما أعده الله له فيها.