الإيمان باليوم الآخر هو أحد الأصول الستة التي جاءت في حديث جبريل، ويأتي في القرآن والسنة الجمع بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر، وذلك لأن الإيمان بالله هو الأصل الذي تنبني عليه كل الأصول، والإتيان بالإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله للتنبيه على الجزاء، وعلى ما يلقاه الإنسان في الدار الآخرة من الثواب والعقاب، ويأتي في الترغيب والترهيب الجمع بينهما، ويكون المقصود من ذلك في مجال الترغيب العمل بالأمور المشروعة من أجل أن يحصل الإنسان على الثواب، والمقصود من ذلك في الترهيب أن يحذر الإنسان من الوقوع في الأمور المحرمة؛ لئلا يحصل له العقاب.
ومما جاء في القرآن من الجمع بينهما قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [النساء:59] وهذا في الترغيب؛ لأنه يتعلق بالرد إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم.
وجاء في سورة الطلاق: {ذَلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} [الطلاق:2].
وأما في السنة فقد جاء ذلك في قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم) وكذلك جاء في الحديث الآخر: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، وهذا الحديث من أحاديث الأربعين النووية كما سيأتي، وهو من حديث أبي هريرة، وكل جملة فيه فيها الجمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر، وذلك إما ترغيباً في فعل الخير ليحصل الأجر، وإما ترهيباً من فعل الشر حتى يسلم من الوزر.
إذاً: فالجمع بين الإيمان بالله واليوم الآخر من أجل التنبيه على الاستعداد لذلك اليوم، فيقدَّم الإنسان الأعمال الصالحة، ويحذر من أن يقع في المحرمات؛ ليحصَّل له الثواب في الدار الآخرة وليسلم من العقاب فيها أيضاً.
ويأتي في القرآن -أيضاً- الجمع بين أكثر من أصلين، وذلك بأن يذكر الإيمان بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وذلك كما في قوله: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} [البقرة:177]، فقد اشتملت الآية على خمسة أصول من أصول الإيمان.
والمقصود بالكتاب الكتب، و (أل) فيه لاستغراق الجنس، وليست للأفراد، ثم إن هذه الخمسة جاءت في سورة النساء في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيداً} [النساء:136].
وجاء ذكر هذه الخمسة في آخر سورة البقرة في قول الله عز وجل: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة:285]، والخامس أشار إليه بقوله: ((وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ))، والمقصود من ذلك هو اليوم الآخر.
فجاءت هذه الأصول الخمسة في هذه الآيات الثلاث مجتمعة: في البقرة في آيتين، وفي النساء في آية واحدة، وأما الإيمان بالقدر فقد جاء مستقلاً في قول الله عز وجل: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:49]، وقوله: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} [الحديد:22].
وأكثر ما اجتمع من هذه الأصول خمسة، وأقلها اثنان: الإيمان بالله واليوم الآخر، وتلك الأصول الخمسة التي اجتمعت هي ما دون الإيمان بالقدر.