بدأ النبي صلى الله عليه وسلم يعلم ابن عباس بدأ يعلمه هذه الكلمات، وفي صنيع الرسول صلى الله عليه وسلم مع ابن عباس ما يدل على تواضعه صلى الله عليه وسلم وملاطفته للصغار، حيث قال له: (يا غلام! ألا أعلمك كلمات).
قال عليه الصلاة والسلام: (احفظ الله يحفظك)، هذه أول تلك الكلمات الجامعة المفيدة العظيمة، والمقصود بحفظ الله عز وجل: حفظ حدوده وشرائعه وأمره ونهيه، بحيث يكون الإنسان ممتثلاً للأوامر، مجتنباً للنواهي مصدقاً للأخبار، عابداً لله عز وجل وفقاً لما شرع في كتابه وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فهذا هو المقصود بكون الإنسان يحفظ الله، أي: احفظ حدود الله وشرائعه وأوامره ونواهيه، بأن تكون ممتثلاً لكل مأمور، منتهياً عن كل محذور، وأن تكون مصدقاً للأخبار، وأن تكون متعبداً لله عز وجل بالشرع لا بالأهواء والبدع ومحدثات الأمور؛ بل تكون عبادة الإنسان خالصة لله ومطابقة لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ثم قال: (يحفظك)، وهذا هو الجزاء، والجزاء من جنس العمل، فإذا كان العمل حفظاً فإن الجزاء حفظ، فإن كان الإنسان يحفظ حدود الله ويمتثل ويستسلم وينقاد فإن الجزاء هو أن الله يحفظه في أمور دينه ودنياه، وكثيراً ما يأتي في النصوص بيان أن الجزاء من جنس العمل، كما جاء في هذا الحديث: (احفظ الله يحفظك) وحديث: (من نفس عن مسلم كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه بها كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة)، فكل هذا الجزاء من جنس العمل، وحديث ابن عباس الذي معنا فيه أن العمل حفظ والجزاء حفظ، فالعمل كون العبد يحفظ حدود الله، والجزاء أن الله تعالى يحفظه في أمور دينه ودنياه.
ثم قال: (احفظ الله تجده تجاهك)، كرر الأمر بحفظ الله عز وجل الذي هو حفظ شريعته، فإذا فعل الإنسان ذلك فإنه يجده تجاهه يسدده ويحوطه ويرعاه ويكلؤه ويحفظه، وكذلك أيضاً يجد ثواب ذلك في العاجل والآجل، كما قال الله عز وجل: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه} [الزلزلة:7 - 8]، وقال: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً} [النحل:97].
فيجد الله عز وجل حافظاً له وراعياً وساتراً وكالئاً ومؤيداً، وقوله: (تجاهك) أي: أمامك، وقد جاء في الرواية الأخرى التي في غير الترمذي: (احفظ الله تجده أمامك).