قال صلى الله عليه وسلم: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) أي: أنه يحفظ لسانه، ولا يستعمله إلا في الخير، فلا يستعمله في الشر، وقد جاءت الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في حفظ اللسان، ومنها الحديث الذي سيأتي وهو الحديث التاسع والعشرون من هذه الأربعين، وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم لـ معاذ بن جبل، وفيه: (رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد في سبيل الله، ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا رسول الله! فأخذ بلسان نفسه، وقال: كف عليك هذا، فقلت: يا رسول الله! وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).
وكذلك الحديث الصحيح الذي يقول فيه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة)، وما بين اللحيين هو اللسان، وما بين الرجلين هو الفرج.
وهذا الحديث من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم كلمة جامعة تدل على أن استعمال اللسان يكون إما في الخير وإما في الشر: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت) يعني: يتكلم بما هو خير من ذكر الله عز وجل، وقراءة القرآن، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والدلالة على الخير، وإرشاد الضال، ودلالة من يحتاج إلى الدلالة على الخير، كل ذلك يكون من الأعمال التي يستعمل فيها اللسان، وإذا لم يكن يستعمل الإنسان لسانه في الخير فلا أقل من أن يصمت، وأما أن استعمله فيما يعود عليه بالضرر فإن وباله عظيم، وضرره كبير، كما قال عليه الصلاة والسلام: (وهل يكب الناس في النار على وجوههم -أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم).
ويقولون: (كلم اللسان أنكأ من كلم السنان)، أي: الجرح الذي يكون باللسان أشد من الجرح الذي يكون بالسنان، والإنسان إذا لم يتكلم بالكلمة غير السائغة فإنه يكون مالكاً لها؛ ولكنه إذا تكلم بها ملكته ولم يملكها، فلا يستطيع ردها أو إرجاعها، وفي المثل: كم من كلمة قالت لصاحبها دعني! سواء ندم الإنسان عليها أو لم يندم عليها ولكنه تضرر بها، فكأنها قالت له: دعني قبل أن يقولها، وقبل أن يقولها لو صرفها لسلم؛ لكنه لما قالها وخرجت من فيه ترتبت عليها آثارها، ولا يتخلص الإنسان منها، فإن كانت حقاً لله عز وجل فيستغفر الله عز وجل ويتوب، وإن كانت حقاً للناس فعليه أن يطلب منهم أن يجعلوه في حِلّ مما نالهم به من الغيبة أو من الكلام الذي يسوءهم، وسواء كان ما قاله فيهم واقعاً أو غير واقع؛ لأنه إن كان قاله فيهم وهو واقع فإنه يكون غيبة، وإن كان قاله فيهم وهو غير واقع يكون بهتاناً وكذباًَ، وقد بين النبي الكريم صلى الله عليه وسلم: (أن الغيبة ذكرك أخاك بما يكره، قالوا: أرأيت يا رسول الله! إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته).
وعلى هذا: فعلى المسلم الناصح لنفسه أن يحفظ لسانه من الكلام إلا في خير، كما قال عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت)، ففيه الترغيب في الكلام في الخير، والترهيب من الكلام في الشر؛ لأنه إذا لم يستعمله في الخير واستعمله في الشر، فإن مغبة ذلك ومضرته تعود عليه.