هذا الحديث مشتمل على ثلاث جمل: الجملة الأولى: تتعلق بحفظ اللسان، وألا يقول به إلا خيراً، وإلاّ يكن فالصمت.
والثانية: تتعلق بإكرام الجار.
والثالثة: تتعلق بإكرام الضيف.
وقد جاء بين يدي ذكر هذه الأمور الثلاثة ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر، وأن من يتصف بالإيمان بالله واليوم الآخر، فإنه يقوم بهذه الأمور ويفعل هذه الأفعال، وقد جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإيمان بالله واليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو أس الأسس، وكل شيء يجب الإيمان به فإنه تابع للإيمان بالله عز وجل؛ ولهذا جاء في حديث جبريل تفسير الإيمان بقوله: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره)، ومن المعلوم أن الإيمان بالملائكة والرسل والكتب واليوم الآخر والقدر كله تابع للإيمان بالله، فمن لم يؤمن بالله فلن يؤمن بملائكته ولا كتبه ولا رسله ولا اليوم الآخر ولا القدر.
إذاً: الإيمان بالله عز وجل هو الأساس الذي يبنى عليه كل إيمان، فكل شيء يؤمن به ويصدق فهو مبني على الإيمان بالله وتابع له، فلهذا جمع النبي صلى الله عليه وسلم بين الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر؛ لأن الإيمان بالله هو الأساس، وأما اليوم الآخر فقد ذكره مع الإيمان بالله تنويهاً وتذكيراً بالمعاد، وأن الناس يجازون على أعمالهم: إن خيراً فخير، وإن شراً فشر.
وما يأتي فيه ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر وهو يتعلق بالأوامر فإنه يكون ترغيباً، وما يأتي فيه ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر وهو يتعلق بالنواهي فإنه يكون ترهيباً.
إذاً: يأتي ذكر ذلك في الترغيب والترهيب؛ لأن الذي يؤمن بالله واليوم الآخر هو الذي يعرف أنه سيلقى الله عز وجل، وأنه سيحاسبه؛ فلذلك يأتي بهذه المأمورات لأنه سيجد الثواب والأجر أمامه، وكذلك فيما إذا كانت الأمور التي ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر بين يديها تتعلق بالمنهيات، فيكون ذلك ترهيباً وتخويفاً من أن يقع الإنسان فيها في الحياة الدنيا، ثم إذا جاء يوم القيامة وجاء الحساب وجد العقاب والعذاب عليها والعياذ بالله! إذاً: هذا هو السبب الذي لأجله ذكر الإيمان باليوم الآخر مع الإيمان بالله؛ لأن فيه التذكير باليوم الآخر، ففي ذلك ترغيب وترهيب، والإنسان إذا عرف أنه قادم على الله تعالى وأنه سيلقى الله تعالى، وأنه سيجازيه على ما قدم، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، فهو يستعد لذلك اليوم بفعل المأمورات المرغب فيها، وترك المنهيات المرهب والمحذر منها، وهذا يتعلق بالأمور الثلاثة كلها؛ لأن كل واحد من هذه الأمور الثلاثة قدم بين يديه ذكر الإيمان بالله واليوم الآخر.
واليوم الآخر -كما هو معلوم- يبدأ بالموت لكل إنسان، فالحد الفاصل بين الدنيا والآخرة لكل إنسان هو الموت، فمن مات قامت قيامته، وانتقل من دار العمل إلى دار الجزاء، فإن الإنسان يجازى في قبره إما في نعيم وإما في عذاب، إما أن يفتح له باب إلى الجنة ويأتيه من روحها ونعيمها، وإما أن يفتح له باب إلى النار ويأتيه من حرها وسمومها، كما ثبت الحديث في ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث البراء بن عازب رضي الله تعالى عنه.