الفائدة الأولى: قول المحدثين والمخرجين للأحاديث: رواه البخاري ومسلم، المقصود من ذلك: الاتفاق على المعنى، ولا يلزم أن يكون الاتفاق في الألفاظ؛ ولهذا بعض العلماء يقول: رواه فلان وفلان واللفظ لفلان.
وهذا هو الذي فيه بيان أن اللفظ لفلان، ولكن الثاني موافق له في المعنى.
وهذا الحديث بهذا اللفظ هو من أفراد مسلم؛ لأن الحديث عند غير مسلم برواية أخرى بلفظ: (ذروني ما تركتكم فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه).
هذا اللفظ هو التي تعددت به الروايات، فجاءت هذه الرواية عند البخاري وكذلك عند مسلم، ولكنه جاء في بعض الطرق عند مسلم في كتاب (الفضائل) بهذا اللفظ: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم؛ فإنما أهلك من كان قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم).
إذاً: إذا قيل: رواه البخاري ومسلم، فمعنى ذلك: أنهما اتفقا على المعنى، ولا يلزم أن الألفاظ متفق عليها، ولا يلزم أنهما اتفقا على التقديم والتأخير، أو على الهيئة التي هي موجودة، بل قد يكون هناك تقديم وتأخير، مثل هذا الحديث، فإنه عند البخاري بلفظ فيه تقديم وتأخير، وعند مسلم أيضاً بخلاف هذه الصورة، ولكنه أيضاً جاء بهذه الصيغة.
فالإمام النووي رحمه الله أتى بها من صحيح مسلم، وعنده صيغة أخرى وعند البخاري أيضاً صيغة أخرى ليست مثل هذه الصيغة، التي هي تقديم هذه الجملة الكلية الجامعة التي فيها: امتثال كل ما هو مأمور على قدر الاستطاعة، والانتهاء عن كل منهي مطلقاً بدون تقييد، وكان الأولى في هذه الحال أن يقول: واللفظ لفلان.
إذاً: اتفق الشيخان على إخراج هذا الحديث، وهو بهذا اللفظ عند مسلم في كتاب (الفضائل)، وقد جاء بيان سبب الحديث عنده في كتاب (الحج)، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أيها الناس! قد فرض الله عليكم الحج فحجوا، فقال رجل: أكل عام يا رسول الله؟! فسكت حتى قالها ثلاثاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو قلت: نعم لوجبت ولما استطعتم، ثم قال: ذروني ما تركتكم؛ فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم، فإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فدعوه).