ذكر العلماء وفصلوا فيما يتعلق ببيان هذه النصيحة، ولمن تكون هذه النصيحة، ومن أحسن من جمع الكلام في هذه النصيحة كلام لـ أبي عمرو بن الصلاح في كتاب له يتعلق بصحيح مسلم، وقد نقله الحافظ ابن رجب في شرحه لهذا الحديث، فنقرأ كلام أبي عمرو بن الصلاح في ذلك وهو في آخر شرح هذا الحديث.
قال أبو عمرو بن الصلاح: النصيحة كلمة جامعة تتضمن قيام الناصح للمنصوح له بوجوه الخير إرادة وفعلاً، فالنصيحة لله تعالى توحيده ووصفه بصفات الكمال والجلال، وتنزيهه عما يضادها ويخالفها، وتجنب معاصيه والقيام بطاعته ومحابه بوصف الإخلاص والحب فيه والبغض فيه وجهاد من كفر به تعالى وما ضاهى ذلك، والدعاء إلى ذلك والحث عليه.
والنصيحة لكتابه الإيمان به وتعظيمه وتنزيهه، وتلاوته حق تلاوته، والوقوف مع أوامره ونواهيه، وتفهم علومه وأمثاله وتدبر آياته والدعاء إليه، وذب تحريف الغالين وطعن الملحدين عنه.
والنصيحة لرسوله الإيمان به وبما جاء به، وتوقيره وتبجيله والتمسك بطاعته، وإحياء سنته، واستثارة علومها ونشرها، ومعاداة من عاداه وعاداها، وموالاة من والاه ووالاها، والتخلق بأخلاقه والتأدب بآدابه ومحبة آله وصحابته ونحو ذلك.
والنصيحة لأئمة المسلمين وبمعاونتهم على الحق وطاعتهم فيه وتذكيرهم به، وتنبيههم برفق ولطف، ومجانبة الوثوب عليهم والدعاء لهم بالتوفيق.
والنصيحة لعامة المسلمين إرشادهم إلى مصالحهم، وتعليمهم أمور دينهم ودنياهم، وستر عوراتهم وسد خلاتهم، ونصرتهم على أعدائهم والذب عنهم، ومجانبة الغش والحسد لهم، وأن يحب لهم ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكرهه لنفسه وما شابه ذلك.
هذا كلام مختصر وواضح في بيان هذه الأمور الخمسة، والعلماء تكلموا فيها بألفاظ متقاربة كما هو معلوم، كلها ألفاظ وعبارات تدور في شيء واحد وتتعلق بشيء واحد، فاختلفت العبارات والمعنى واحد، ولكن هذا الكلام الذي نقله الحافظ ابن رجب هو من أخصر وأجمع الكلام فيما يتعلق ببيان هذه الأمور الخمسة التي اشتمل عليها حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله تعالى عنه، وأنا ذكرت في كتاب: قطف الجنى الداني فيما يتعلق بطاعة ولاة الأمور، وقد ذكر ذلك ابن أبي زيد في جملة مسائل العقيدة، فأنا نقلت نقولاً عديدة عن العلماء تتعلق بنصب الولاة وبما يتعلق بالولاة من النصيحة لهم، وأن السنة جاءت بذلك في أحاديث عديدة، ومن بين ذلك هذا الحديث الذي هو حديث أبي رقية تميم بن أوس الداري رضي الله عنه.