قوله: (الدين النصيحة)، هذه الجملة تدل على عظم شأن النصيحة والاهتمام بها، وكأنها هي الدين، وأن الدين محصور فيها، وهذا يدل على عظم شأنها، وعلى ما جاء في رواية أبي عوانة المستخرج على صحيح مسلم من أنه قالها ثلاثاً، فيكون ذلك زيادة في التأكيد.
وبيان عظم شأن النصيحة كونه جاء في هذا اللفظ: (الدين النصيحة)، وكأن الدين هو النصيحة؛ وذلك لشمولها وعمومها.
والحافظ ابن رجب قال: إنه يدخل تحت هذه الجملة ما جاء في حديث جبريل من تفسير الإسلام والإيمان والإحسان؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في آخره: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) فسماها ديناً، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (الدين النصيحة).
إذاً: ما جاء في حديث جبريل يكون داخلاً تحت هذه الجملة، ومعنى الدين النصيحة، أي: أن عماد الدين وأساسه إنما هو النصيحة؛ وذلك لشمولها لتلك الأمور التي أخبر بها رسول الله عليه الصلاة والسلام، فيدخل في الإيمان بالله عز وجل كل ما يتعلق بالإيمان، وكل ما يتعلق بالشهادتين، وكل ما يتعلق بما أوجبه الله عز وجل، فهي كلمة عامة وجامعة من أجمع الكلام، ونظيرها قوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، مبيناً أهمية الوقوف بعرفة، وأنه الركن الأعظم في الحج، وذلك أن الحج يفوت الإنسان بفواته ولو جاء من أقطار بعيدة، ولو تعب وخسر ما خسر، إذا طلع الفجر من ليلة النحر فإن الوقوف انتهى، والحج قد فات من وصل متأخراً عن هذا الوقت، ومن أدرك هذا الوقت فقد أدرك الوقوف.
أما غيره من بقية الأركان مثل: الطواف والسعي فيمكن تداركه ولو بعد مدة طويلة، ولكن الوقوف بعرفة إذا فات الإنسان فاته الحج، ولا مجال لأحد أن يحج وقد انتهى وخرج وقت الوقوف، وذلك بطلوع الفجر من ليلة العيد، لكن يحج في سنة أخرى فهذا الحصر في قوله: (الحج عرفة)، يدل على أهمية هذا الركن.
فقوله: (الدين النصيحة)، يدل على أهمية النصيحة وعظيم شأنها، وأن دين الإسلام هو النصيحة؛ وذلك لشموله من كل النواحي التي تتعلق بكل ما يتعلق بالله عز وجل، وما يتعلق بكتاب الله عز وجل، وما يتعلق بالرسول صلى الله عليه وسلم، وما يتعلق بأئمة المسلمين وولاتهم، وما يتعلق بعامتهم.
وقيل: إن النصيحة مأخوذة من نصحت العسل إذا خلصته وإذا صفيته ونقيته من الشمع، حتى يكون عسلاً خالصاً مصفى نقياً، وقيل: إنها من النصح وهي الخياطة تكون بالمنصحة وهي الإبرة؛ وذلك لأن الإبرة يحصل بها لمَّ أجزاء الثوب والقماش حتى يكون ثوباً، وإذا حصل تمزق وتشقق ثم خيط بالإبرة فإنه يضم بعضه إلى بعض، فكذلك النصيحة فيها لم الشعث وحصول الخير والمطلوب في المنصوح ومن حصل له النصح.
وقيل: مأخوذة من التوبة النصوح وهي الخالصة الصادقة، فكأن الذنوب تمزق والتوبة تلم الشعث وتزيل ذلك التمزق الذي حصل بسبب الذنوب.
فإذاً: النصيحة تشمل ما بين العبد وربه، وما بين العبد والناس، سواء كان هؤلاء الناس حاكمين ومحكومين أو رعاة أو رعية، فهذا يدل على أهمية النصيحة وأن منزلتها من الدين عظيمة، وكأن الدين هو النصيحة.