جاء عن الإمام مالك بن أنس رحمة الله عليه أنه قال: من قال إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله تعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي} [المائدة:3].
ومعنى ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما بلغ هذه البدعة التي قالوا إنها تضاف إلى الشريعة، فالبدع ليست من سنته وليست من هديه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام بين للناس كل ما يحتاجون إليه، فلا تحتاج الشريعة إلى أمور تضاف إليها وتلحق بها، بل هي كاملة.
وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك أمراً يقرب إلى الله إلا ودل الأمة عليه، وما ترك أمراً يباعد من الله إلا وحذر منه صلوات الله وسلامه وبركاته عليه؛ ولهذا قال الإمام مالك بعد ذلك: فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً.
فالشيء الذي لم يكن ديناً في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون بعدهم ديناً، وهذا يبين لنا أن هذه الفرق التي حدثت بعده صلى الله عليه وسلم، وصار لها عقائد خاصة، ليست من دين الإسلام، بل دين الإسلام الحق هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
يقول الإمام مالك رحمه الله: مالم يكن يومئذ ديناً لا يكون اليوم ديناً، يعني: مالم يكن ديناً في زمان محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه لا يكون بعد ذلك ديناً؛ لأن الدين هو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والعقائد التي أحدثت ونبتت وولدت بعد زمنه صلى الله عليه وسلم باطلة، فمنها ما كان في آخر عهد الصحابة، ومنها ما كان بعد ذلك، ولا شك أنها باطلة، ولا يمكن أن يعقل ولا أن يقبل أن يكون هناك حق حجب عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، بل هذه العقائد المحدثة داخلة تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً) يعني: اختلافاً كثيراً في الأهواء والبدع، وقد أرشدنا عليه الصلاة والسلام عند هذا الاختلاف والتفرق إلى المنهج القويم والصراط المستقيم في قوله: (فعليكم بسنتي) يعني أن طريق السلامة، وطريق النجاة أمام هذا الاختلاف كائن في سنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي.
ويكفي في معرفة بطلان العقائد المحدثة أن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم ما كانوا يعتقدونها ولا كانوا يعرفونها، ولا يعقل أن يكون حق قد حجب عن الصحابة وخفي عليهم، وادخر لأناس يجيئون بعدهم، بل هذه المحدثات التي حصلت لهؤلاء الذين من بعدهم شر، وقد حمى الله أصحاب رسوله من الوقوع في ذلك الشر، ووفقهم لسلوك الصراط المستقيم الذي جاء به النبي الكريم عليه الصلاة والسلام؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأنعام:153].
فالطريق إلى الله عز وجل واحد، وهو ما كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمناهج والطرق الأخرى مجانبة ومخالفة لهذا الطريق، وهي باطلة ومردودة على أصحابها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث الذي معنا: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد).