فهذه الأطوار الثلاثة تنتهي بمائة وعشرين يوماً، ثم بعد ذلك تنفخ الروح في هذا الجسم والجسد الذي صور وخلق، وصار على هيئة الإنسان، وبذلك يكون حياً، وقبل ذلك هو ميت، يعني: من وقت ما صار نطفة إلى أن نفخت فيه الروح لا يعتبر حياً، وإنما يعتبر ميتاً، وهذه هي الموتة الأولى التي ذكرها الله عز وجل في القرآن، ذكر الله أن الناس لهم موتتان وحياتان كما قال الله عز وجل عن الكفار: {قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر:11] فالموتة الأولى هي هذه الحالة التي يكون عليها الإنسان في بطن أمه قبل أن تنفخ فيه الروح، فيقال له: ميت، وهذه هي الموتة الأولى من الموتات الأربع التي ذكرها الله عز وجل في هذه الآية من سورة غافر، وهاتان الموتتان والحياتان فصلهما الله عز وجل في أول سورة البقرة، حيث قال: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة:28]، يعني: أنكم كنتم نطفة وعلقة ومضغة ليس فيكم حياة، فأحياكم بأن نفخ فيكم الروح بعد تمام المائة والعشرين يوماً كما جاء في حديث ابن مسعود فهذه الموتة الأولى في قوله تعالى: {كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ} [البقرة:28] أي: حصل نفخ الروح، ثم هذه الحياة تستمر إلى بلوغ الأجل، ثم يأتي الموت عند نهاية الأجل، وهذه الموتة الثانية، ولكن هذه الموتة لا ينافيها أن يكون الإنسان حياً حياة برزخية، وأنه ينعم في قبره يعني: الروح والجسد كل منهما يعذب في القبر أو ينعم؛ لأن هذه الحياة التي هي الحياة البرزخية لا يعلم كيفيتها إلا الله سبحانه وتعالى، والإنسان بمغادرته هذه الحياة يكون قد مات، ولكن لا ينافيه ما جاء من النصوص من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن الإنسان ينعم في قبره أو يعذب؛ لأن هذه حياة برزخية الله أعلم بكيفيتها.
ثم الحياة الثانية وهي الحياة بعد البعث، وهي التي تكون مستمرة إلى غير نهاية، والإنسان فيها إما منعم وإما معذب، إما من أهل الجنة ويكون مستمراً فيها إلى غير نهاية، وإما من أهل النار ويكون مستمراً فيها إلى غير نهاية، وإن كان من المسلمين فإنه يعذب في النار على قدر جرمه إن لم يتجاوز الله عنه، ولكنه يخرج من النار ويدخل الجنة، وبعد ذلك الحياة مستمرة من حين البعث والنشور إلى غير نهاية.