حكم من يقول: إن الأئمة يعلمون متى يموتون، وإنهم لا يموتون إلّا باختيارهم

Q حديث جبريل يدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله عز وجل، فكيف بمن يقول: إن الأئمة -عليهم السلام-يعلمون متى يموتون، وإنهم لا يموتون إلا باختيار منهم، وإنهم إذا شاءوا أن يعلموا علموا، وإنهم يعلمون علم ما كان وما يكون، وإنه لا يخفى عليهم شيء؟

صلى الله عليه وسلم ليس هذا من كلام أهل السنة، بل هو من كلام الرافضة الذين يغلون في أئمتهم الاثني عشر، ويضيفون إليهم مثل هذا الكلام، والذي قال هذا الكلام هو الكليني صاحب (الكافي)، وهذا الكتاب (الكافي) يعتبر عند الرافضة مثل (صحيح البخاري) عند أهل السنة.

وهذه الأمور التي يضيفونها إلى الأئمة الاثني عشر لا تضاف إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذا من باطلهم وانحرافهم وغلوهم وإسرافهم وتجاوزهم الحدود، حيث أتوا بمثل هذا الكلام الذي يضحك كل من يسمعه من سوء ما هم عليه من الباطل، فكيف يكون الأئمة بهذا الوصف وبهذه الهيئة والرسول صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يوصف بشيء من ذلك؟! فأئمتهم يعلمون ما كان وما سيكون، يعلمون متى سيموتون، ولا يموتون إلا باختيارهم، والأئمة عندهم الكتب المنزلة على المرسلين كلها، ويعرفونها بلغاتها، فما هذا الهراء؟! وكذلك -أيضاً- عندهم أخطر وأسوأ ما يكون، حيث يقول: (باب أنه ليس شيء من الحق إلا ما خرج من الأئمة، وأن كل شيء لم يخرج من عندهم فهو باطل) فعلى قولهم هذا يعتبر صحيح البخاري وصحيح مسلم باطلان؛ لأنهما لم يخرجا من عند الأئمة الاثنى عشر، بل والقرآن لم يخرج من عند أئمتهم، فقد جمعه أبو بكر ثم عثمان، والمصحف الموجود الآن هو من جمْع عثمان رضي الله عنه، فهو لم يخرج من الأئمة الاثنى عشر.

وهذا يبين لنا انحرافهم وبعدهم عن الحق والهدى، وأنهم من أسوأ فرق الضلال إن لم يكونوا أسوأها، وبعض الناس إذا ذكرنا لهم مثل هذه الاعتقادات الباطلة قالوا: هذا كلام أناس متقدمين، وأما الموجودون في هذا الزمان فليس عندهم مثل هذا الكلام.

وأقول: بل عندهم مثل هذا الكلام أو أسوأ منه، فهذا هو الخميني -الذي هلك قبل سنوات- له كتاب اسمه (الحكومة الإسلامية)، يقول فيه في (ص52): وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرّب، ولا نبي مرسل.

والضروريات معناها: البديهيات التي لا تقبل النظر والتفكير.

ويقول أيضاً: إن الإمام -يعني: من الأئمة- له خلافة تكوينية تخضع لها جميع ذرات الكون.

ويذكر -أيضاً- أن الأئمة محدقون بالعرش، وأنهم أنوار محدقة بالعرش، وأن جبريل قال: لو قربت أنملة لاحترقت.

فيقصدون أن لهم كاناً ما وصله جبريل، فكل هذا من الإفك والكذب والباطل، والإنسان عندما يسمع مثل هذا الكلام فإنه يقول: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8].

وأما فيما يتعلق بعلم الغيب فالرسول صلى الله عليه وسلم -وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم- لا يعلم الغيب على الإطلاق، فلا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله إياه، يقول الله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ} [الجن:26 - 27] أي أن ما أظهره الله من غيبه وأوصى به إلى رسله فإن الله تعالى يحفظه حتى يصل إلى ذلك الرسول، لكن ليس كل غيب يصل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن الأمور التي لا يعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت قيام الساعة، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه بذلك، وعلمها إنما هو عند الله تعالى، وهناك أمور وقعت وحصلت يتبين من خلالها أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يعلم الغيب، فمن ذلك أمر عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، فقد رُميت زوجته بالإفك، فتألم وتأثر وأصابه ما أصابه من الشدة، وكان يستشير أصحابه فيها، ويستشير في طلاقها، وكان يقول لها: (يا عائشة! إنْ كنت ألممت بذنب فتوبي إلى الله واستغفري)، وبقي خمسين يوماً أو قريباً من ذلك وهو على هذه الحال حتى نزل القرآن ببراءتها، فلو كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم الغيب فإنه بمجرد قول الناس: إنه حصل كذا سيقول: أنا أعلم الغيب، فلم يحصل شيء من هذا، فلا تتكلموا.

فلم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم هذا، بل خفي عليه الأمر ولم يعلمه إلا بعد نزول الآيات من أول سورة النور، وعند ذلك عرف براءتها وسلامتها، وقبل ذلك ما كان يدري حقيقة الأمر.

ومن ذلك أنهم كانوا في سفر ففقدت عائشة رضي الله عنها عقداً لها، ولما أرادوا الرحيل ذكرت أنها فقدت عقدها، فأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالبحث عن هذا العقد، وجلسوا يفتشون عنه حتى أصبحوا وليس معهم ماء يتوضئون به، فأنزل الله تعالى آيات التيمم، فتيمموا، وعندما ارتحلوا وجدوا العقد تحت الجمل الذي كانت تركب عليه عائشة، فلو كان عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب لعلم مكان ذلك العقد الضائع، ولم يبقوا ليلة كاملة يبحثون عن العقد، فهذا الأمر غاب عن الرسول صلى الله عليه وسلم.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (يذاد أناس من أصحابي عن الحوض فأقول يا ربّ! أصحابي! فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، فلو كان عليه الصلاة والسلام يعلم الغيب لم تكن هناك حاجة إلى أن يقال له: (إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)، وليس به حاجة إلى أن يقول: (أصحابي)، ولو كان يعلم الغيب لعرف السبب الذي طردوا من أجله.

فعلم الغيب لا يكون إلا لله سبحانه وتعالى، فلا يعلم الغيب على الإطلاق إلا هو سبحانه وتعالى، وأما الملائكة والبشر والجن فلا يعلمون من الغيب إلا ما أطلعهم الله عليه، فقد أخبر الله تعالى عن الملائكة في أول سورة البقرة أنهم قالوا: {سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا} [البقرة:32]، وقال تعالى: {فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ} [البقرة:33].

وأخبر الله تعالى عن الجن -كما في قصة موت سليمان عليه الصلاة والسلام- أنهم لا يعلمون الغيب، وأنهم لم يعلموا موته حتى دلتهم على ذلك دابة الأرض، قال الله عز وجل: {فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ} [سبأ:14]، وقال الله عز وجل حكاية عن الجن في سورة الجن: {وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} [الجن:10]، وقال الله تعالى: {قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ} [النمل:65]، أي: أن كل ما في السموات من الجن والملائكة والبشر لا يعلمون الغيب على الإطلاق، وأن الذي يعلم ذلك هو الله سبحانه وتعالى.

وهذا الاستثناء في هذه الآية منقطع، فليس معنى ذلك أنّ الله في السموات، بل هو فوق السموات على العرش، فالله تعالى هو خالق الخلق، ولا يحويه شيء من مخلوقاته، بل هو مباين للمخلوقات.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015