هذا والعصرُ ذلك العصرُ القديم، والعهدُ ذلك العهدُ الكريم، فجَهِل الناس من هذا المهمّ ما كان يلزمهم معرفتَهُ، وأخّروا منه ما كان يجب عليهم تَقْدِمَتُهُ، واتخذوه وراءهم ظِهْريّاً فصار نَسْياً منْسِياً، والمشتغل به عندهم بعيداً قصِيّاً، فلما أعضل الداء وعزَّ الدواء، ألهم الله - عز وجل - جماعة من أولى المعارف والنُّهى، وذوي البصائر والحِجى، أن صرفوا إِلى هذا الشأن طرَفاً من عنايتهم، وجانباً من رعايتهم، فشرَّعوا فيه للناس موارداً، ومهّدوا فيه لهم معاهداً، حراسةً لهذا العلم الشريف من الضياع، وحفظاً لهذا المهم العزيز من الاختلال) (?) .
ولقد كان النحو والإعراب أهم علوم اللغة، إِذْ في جهله الإخلال بالتفاهم جملة.
يقول العلامة ابن خلدون - رحمه الله - ‘‘أن الأهم المقدّم منها هو النحو، إِذْ به تبيّنت أصول المقاصد بالدلالة، فيُعَرَّف الفاعل من المفعول، والمبتدأ من الخبر، ولولاه لَجُهِل أصل الإفادة’’ (?) .
تعالى به قد طلابه
وقوف خضوع على بابه.
يا حبَّذا النحو من مطلب
كأن العلوم له عسكر.
ولما للنحو من أهميّة، ومكانة عظيمة عليّة، صنعت فيه التصانيف، وأُلِّفت فيه التآليف، فمن مُكثرٍ جعل كتابه أسفاراً، ومن متوسط غيْثُ فوائده أصبح مدراراً، ومن موجزٍ كان كتابه أوراقاً.
وكان من بين تلك المتون المختصرة، والكتب المحرّرة المشتهرة، كتاب: (الْمُقَدِّمَة الآجرُّومِيَّة) .