فإن قالوا: عندنا دليل آخر: وهو أن السلف أولوا هذا التأويل، فقالوا: وجه الله: الجهة، وذلك في قول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115]، فقد قال بعض السلف: أي: فثم جهة الله جل وعلا.
بمعنى: أنك أينما توجهت وأنت تصلي إذا كنت لا تعرف جهة القبلة فاجتهدت وصليت فأنت في جهة الله جل وعلا، وصحيح أن بعض السلف قال ذلك.
فنقول: نحن لا نخالفكم في هذا التفسير، وهذا التفسير لا ينافي إثبات الوجه لله.
وبيان ذلك أن بعض السلف أولوا الوجه في الآية على الجهة.
والأصل في أي لفظ أن يكون على ظاهره، إلا أن تأتي قرينة تصرفه من الظاهر إلى المؤول، وهنا قرينة، وهي سبب النزول فسبب نزول الآية: أن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا في سفر، واجتهدوا رأيهم أين القبلة، فتوجه كل منهم باجتهاده إلى جهة وصلى، ولكن خافوا ألا تقبل الصلاة؛ لأنهم أخطئوا القبلة، فطيب الله قلوبهم، وبين أن ثوابهم لا يضيع، فأنزل قوله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] أي: فهناك جهة الله جل وعلا، يعني: أينما تولوا وجوهكم باجتهاد فصلاتكم صحيحة، وثوابكم محفوظ عند الله جل وعلا، وأنتم مأجورون على ذلك.
فنقول: إن هذا لا يخالف الحق، فنثبت الجهة ونثبت الوجه لله؛ لأن عندنا الدليل الذي يفسر قول الله تعالى: {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة:115] ووجه الله أحاط بكل شيء؛ لأن الله قد أحاط بكل شيء، فوجه الله أحاط بكل شيء، فأينما تولوا فهناك وجه الله، فوجه الله أحاط بكل شيء وهو على عرشه، ودليل ذلك حديث الصحيحين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا قام أحدكم يصلي فلا يبصقن أمام وجهه، فإن الله قبل وجهه)، فإن الله أحاط بكل شيء، ووجه الله أحاط بكل شيء.
فنثبت لله الوجه، وأيضاً: نثبت له الجهة، ولا منافاة.
فوجه الله ثابت، والجهة أيضاً ثابتة، فأينما تولوا وجوهكم فهناك جهة الله؛ لأن الله قد أحاط بكم.
إذاً: هذه الصفة الذاتية الخبرية ثابتة بالكتاب وبالسنة وبإجماع السلف.