اعتقاد أهل البدع في الوجه والرد على شبهاتهم

أهل البدع عكروا علينا هذا الفهم، وهذا الاعتقاد الصحيح.

فقالوا: أنتم تقولون: لله وجه، فشبهتم الخالق بالمخلوق.

لأننا لو قلنا: لله وجه فهذا جزء وبعض، وإذا قلتم: جزء وبعض فقد جزأتم الله، والله لا يتجزأ.

قالوا: وأنتم شبهتم الخالق بالمخلوق؛ لأن المخلوق له وجه وله يد وله ساق، فشبهتم الخالق بالمخلوق، والخالق منزه عن ذلك.

وقالوا: إن الوجه المراد به الثواب، وما يراد به الوجه حقيقة.

فنقول: الرد عليهم من وجوه: الوجه الأول: أننا نثبت لله وجهاً؛ لأن الله قد أثبته لنفسه، وقد أثبته له نبيه، ونحن لسنا بأعلم من الله جل وعلا، ولا أعلم بالله من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله الذي يعلم بنفسه قد أثبت لنفسه وجهاً، والرسول الذي هو أعلم بربه من وحيه قد أثبت له الوجه.

فآمنا بالله، وبما جاء عن الله على مراد الله، وآمنا برسول الله، وبما جاء عن رسول الله على مراد رسول الله.

أما هذه المقدمة التي قدمتموها وأن فيه تشبيه الخالق بالمخلوق فهي مقدمة باطلة؛ لأننا نثبت لله هذه الصفة دون أن تشابه صفات المخلوقين؛ وذلك تحت قاعدة قعدها الله في كل صفاته، قال تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ} [الشورى:11]، والاشتراك في الاسم لا يستلزم التساوي في المسمى.

فعندما أقول: لي يد، وللحيوان يد، وللفيل يد، وللحمار يد، فهل يد الإنسان تشبه يد الفيل؟ لا، وعندما أقول: بأن لي وجهاً، وللمعز وجهاً، فهل وجهي مثل وجه الماعز؟

صلى الله عليه وسلم لا.

إذاً: فلي وجه، ولله وجه.

ووجه الله يليق بجلاله وكماله، ووجه الإنسان يليق بنقصه وضعفه.

إذاً: نثبت ما أثبته الله لنفسه دون أن يشابه المخلوقين.

وأما الرد عليكم بأن المراد بالوجه: الثواب فنقول: أولاً: خالفتم ظاهر القرآن.

وظاهر القرآن هو ما قاله الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، وقال جل وعلا: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]، فخالفتم الظاهر المعروف من الوجه، فإن الظاهر منه في اللغة معلوم، وإذا خالفتم هذا الظاهر وأولتموه فلا بد أن تأتوا بالقرينة؛ لأن الأصل في اللفظ أن يحمل على ظاهره إلا أن تأتي قرينة تصرفه عن الظاهر إلى المؤول، ولا قرينة لكم هنا.

ثانياً: خالفتم ظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلم الناس بكلام الله جل وعلا، وأعلم الناس باللغة العربية فإنه قال: (اللهم إني أسألك النظر إلى وجهك الكريم)، وقال في دعاء دخول المسجد: (أعوذ بالله العظيم، ووجهه الكريم، وسلطانه القديم، من الشيطان الرجيم)، فخالفتم ظاهر كلام النبي صلى الله عليه وسلم من دون قرينة صارفة للحديث عن ظاهره.

ثالثاً: لو تنزلنا معكم وقلنا: إن وجه الله هو الثواب، فكيف نعقل هذه الآية التي يقول فيها الله جل وعلا: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإِكْرَامِ} [الرحمن:27]؟ فإن تأويلها عندكم: ويبقى ثواب ربك ذو الجلال والإكرام.

فهل الثواب عاقل حتى يوصف بأنه: ذو جلال وإكرام؟ وهل هناك عاقل يصف الثواب بأنه: ذو جلال وإكرام؟ بل الأشد والأنكى من ذلك، وهو الذي بين ضعف عقولكم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حجابه النار أو النور لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه).

وهذا تأويله عندكم: لأحرقت سبحات ثوابه ما انتهى إليه بصره من خلقه.

وهذا عجيب جداً! وهو يبين ضعف تأويلكم.

فإن الذي يحرق ما انتهى إليه بصره من خلقه هو وجه الله، وأنوار وجه الله، وبهاء وجه الله جل وعلا.

فقالوا: لا نؤول الوجه بالثواب، ونؤوله بأمر آخر، فنقول: الوجه بمعنى: الذات.

والدليل على أن الوجه لا يراد به الوجه، وإنما يراد به الذات قول الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88]، قالوا: فهل يهلك كل شيء ويبقى وجه الله فقط؟ قالوا: ولو قلنا: بأن الوجه هو الوجه فلا بد أن نقول بأن كل شيء هالك إلى وجهه، أي: أن كل شيء سيفنى، ولا يبقى إلا الوجه، وهذا كلام ليس بصحيح، فلابد أن نقول: إن الوجه هو: الذات، وهذا كلام قوي.

فنقول لهم: قول الله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص:88] فيها إثبات صفة الوجه، وكل: هنا للعموم، أي: كل شيء.

ولكن كل لفظ عام مؤول في القرآن وفي السنة، أما في القرآن فكما قال الله تعالى: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلَّا مَسَاكِنُهُمْ} [الأحقاف:25] يعني: المساكن لم تدمر، مع أنه قال: ((تُدَمِّرُ كُلَّ)) يعني: كل شيء من المساكن والبيوت والناس، لكن بقيت المساكن، فنحن نؤول كل بمعنى: تدمر كل ما كان قابلاً للتدمير.

فهو مخصوص بالعرف.

وكذلك قوله: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) أي: كل شيء قابل للهلاك فهو هالك.

أما ذات الله ويد الله وساق الله وبصر الله وعين الله فهذه صفات أزلية أبدية ليست قابلة للهلاك، فنقول: (كل) هنا ليست على العموم.

فقول الله تعالى: ((كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ)) يعني: يبقى وجه الله جل وعلا، وباللزوم إذا بقي الوجه يبقى الذات.

ونقول لهم: النبي عليه الصلاة والسلام غاير بين الوجه وبين الذات، فكيف تسوون أنتم بين الوجه وبين الذات؟ فالنبي صلى الله عليه وسلم غاير بينهما، فعطف الوجه على الذات، وهذا العطف يدل على المغايرة؛ لأن الأصل في العطف المغايرة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا دخل أحدكم المسجد فليقل: أعوذ بالله العظيم، وبوجهه الكريم) فذكر الذات، ثم عطف عليه صفة الوجه، وهذا العطف يدل على المغايرة، وأن الوجه غير الذات، بل الوجه صفة للذات، لأنها أضيفت إليه، كما قال الله تعالى: ((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ))، فأضاف الصفة إلى الذات وهو الموصوف.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015