قال: [وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الإرجاء بدعة، والشهادة بدعة]، أي: الشهادة لأحد بأنه من أهل الجنة بدعة مخالفة لمعتقد السلف ومعتقد أهل السنة، والبراءة كذلك بدعة.
قال: [ويقول ابن مسعود: من شهد على نفسه أنه مؤمن فليشهد أنه في الجنة].
هل يستطيع أحد منا أن يقطع لنفسه بأنه من أهل الجنة؟ والله لقد قطع رجل لنفسه بأنه من أهل الجنة فمات على الكفر البواح وارتد عن الدين تماماً، وصنف كتباً يسب فيها الإسلام.
قطع لنفسه بالجنة فحول الله تعالى قلبه، والقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، فيصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، والعكس بالعكس.
والبراءة مختلف فيها، ولذلك يقول المحشي: البراءة المراد بها ما يفعله الخوارج مع بعضهم البعض ومع غيرهم إذا خالفهم في أمر فإنهم يتبرءون منه، ولا يكاد يخلو هذا الوصف في عقائد جميعهم.
قال نافع بن الأزرق: والذي أحدثه البراءة من القعدة.
وقال عن الأزارقة أنها لتتبرأ ممن تقدمها من سلفها من الخوارج، وهكذا تُذكر البراءة في مواطن من عقائدهم.
وكأنه يريد أن يقول: إن ترك البراءة بدعة، أي: حينما يأتي إنسان فيسأل: هل أنت مسلم يا فلان؟ فيجيب: نعم، أنا مؤمن، والحمد لله، ثم يسأل: هل تبرأت من الكفر والطواغيت؟ فيقول: لا، هذا لا يلزمني كمن يأتي إلى أحد من أهل السنة فيقول له: هل أنت من أهل السنة؟ يقول: نعم إن شاء الله، هل تبرأت من الخوارج والمرجئة والمعتزلة والقدرية وو؟ يقول: لا، أنا ليس لي علاقة بهؤلاء أبداً، لأنه ليس من معتقدي البراءة، إنما من معتقدي الولاء، فأنا أوالي الله ورسوله والمسلمين.
كما يقال لرجل: من تعبد؟ يقول: الشيطان، فيقال: لماذا؟ قال: حتى أتجنب شره، أي حتى يكون بيني وبينه سلم ولا يكون هناك حرب بيني وبين الشيطان فأنا لا أعبده وإنما أراضيه، وبالتالي لا يوسوس لي ولا يتسلط علي ولا يفعل بي أي شيء! هذا الكلام كفر بواح.
فكذلك أهل البدع لا يتبرءون من عقائد بعضهم البعض، ولكن أهل السنة يلزمهم في حسن إيمانهم وإسلامهم إثبات البراءة أولاً ثم إحلال الولاء محل هذا البراء، ولذلك لا يمكن أبداً أن يحقق العبد الإيمان لله عز وجل إلا بالكفر بالطواغيت فكيف تؤمن بالله والطواغيت في وقت واحد؟ لا يمكن أبداً أن يجتمعا في قلب عبد مؤمن.
قال: [وقال علقمة: قال رجل عند عبد الله بن مسعود: أنا مؤمن أي: ولم يستثن، قال: قل: إني في الجنة].
عبد الله بن مسعود يسكته فيقول له: أنت تقول أنك مؤمن ولم تقل: إن شاء الله، ما دام الأمر كذلك فقل أنك في الجنة.
ثم قال ابن مسعود: [ولكنا نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر] إلى آخر فروع وأصول الإيمان.
قال: [وعن أبي وائل قال رجل لـ عبد الله بن مسعود: يا أبا عبد الرحمن! لقيت ركباً فقلنا: من أنتم؟ قالوا: نحن المؤمنون.
وقال أبو وائل: إن حائكاً -أي: خياطاً- من المرجئة بلغه قول عبد الله بن مسعود في الإيمان قال: زلة عالم]، وأنه يقول بوجوب الاستثناء، والمرجئة يقولون بحرمة الاستثناء، أي: أن المرجئ يقول: أنا مؤمن من غير أن يقول: إن شاء الله، وعامة السلف على وجوب الاستثناء مخافة التزكية، ومخافة أن يكون قد فرط في أمر أو ارتكب نهياً أو مخافة أن يُختم له بغير ذلك، وأن الإيمان أمر مستقبل، والعبرة فيه بالخواتيم، وهذا أمر لا يعلمه المرء حتى يموت، فكيف يقطع بالإيمان؟ ولذلك مذهب عامة السلف وجوب الاستثناء في الإيمان.
فهذا المرجئ يقول بغير قول عامة السلف، حينما بلغه أن عبد الله بن مسعود استثنى قال: زلة عالم.
خياط يعدل على عبد الله بن مسعود ولكنه يعلق بأدب، ويثبت أن ابن مسعود لا يفهم شيئاً، ولكن بأسلوب رقيق نوعاً ما فيقول: هذه زلة عالم خياط يعدل على سادس ستة في الإسلام صاحب النعل للنبي عليه الصلاة والسلام.
أحد الخياطين من التابعين يقول عن عبد الله بن مسعود أحد أكابر المحدثين والفقهاء في الصحابة: زلة عالم، وقد أحسن حينما قال أنه عالم، ولكن أخطأ حينما قال أنه زل.
وآخر يقول مثلاً: الشيخ ابن باز شيخ عالم وفاضل، ولكنه لم يوافق التوثيق أو خالف الصواب في هذه المسألة وإذا قلت له: الظهر كم ركعة؟ وما الأدلة على ذلك؟ والله لا يستطيع أن يجيب أن يجيب.
قال: [وعن سلمة بن كهيل قال: اجتمع الضحاك وبكير الطائي وميسرة وأبو البختري فأجمعوا أن الشهادة بدعة، والبراءة بدعة، والولاية بدعة، والإرجاء بدعة].
الشاهد هنا أنهم اعتبروا أن الشهادة بدعة، وهي كذلك.
ولذلك كثيراً ما نسمع الشهيد فلان والشهيد فلان وهذا الكلام لو عرضناه على كلام أهل العلم فإنه لا يصح.