قال: [وقال عمر رضي الله عنه: (لما كان يوم خيبر قُتل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا: فلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا: فلان شهيد، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: كلا إني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة غلها، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون) والحديث أخرجه مسلم].
إذا قلت لفلان إنه شهيد فكأنك تقول إنه من أهل الجنة؛ لأن الشهداء في الجنة، لكن الحرج أن تشهد لفلان بعينه أنه شهيد، فكأنك قلت: فلان بعينه من أهل الجنة، وأنت لا تعلم ما صنع.
ولذلك حينما قُتل هذا الرجل في يوم خيبر، وأنتم تعلمون أن خيبر كانت بين اليهود وبين المؤمنين، وأن القتلى الذين يكونون في مثل هذه المعارك إما قتلى في معسكر الإيمان أو في معسكر الكفر، فأما من قتل في معسكر الكفر فهو في النار لا محالة؛ لأنه مات على الكفر، إلا أن يكون أخفى إسلامه، ولم يقاتل وإنما خرج قهراً أو قسراً وجبراً وأخفى إسلامه مخافة القتل، فهذا بلا شك على معصية في تكثير سواد المشركين، لكن إن دعته دواع للخروج لقتال معسكر الإيمان ولكنه لم يشارك حقيقة في القتال ومات بسيف الإيمان بسبب قتال معسكر الإيمان فهو من أهل الإيمان ومن أهل الإسلام.
أما الذين يموتون من معسكر الإيمان فلا يقطع لهم بالشهادة، إنما نرجو الله أن يتقبلهم في الشهداء، أما القطع لهم بالشهادة حتى لو كانوا من أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام فلا يجوز، ولذلك من أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة أنهم لا يشهدون لأحد بجنة ولا نار إلا من شهد الله تبارك وتعالى له في كتابه، أو شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم في صحيح سنته.
ولذلك فالصحابة رضي الله عنهم إنما ساروا على الأصل الأصيل عندهم، وأن من مات في القتال مع العدو فهو شهيد، فساروا بين القتلى وهم يقولون: هذا فلان نعرفه كان في معسكرنا إنه شهيد، وهذا فلان كان في معسكرنا وإننا نعرفه هو فلان بن فلان فهو شهيد، لأنه قُتل في معركة بين المؤمنين والكفار فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (كلا والله إني رأيته في النار في بردة غلها أو في عباءة غلها).
والذي يحول بين العبد وبين الشهادة بردة أو عباءة أخذها من الغنيمة قبل توزيعها، ولذلك قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ} [آل عمران:161]، ويحرم على النبي صلى الله عليه وسلم أن يأخذ شيئاً من الغنيمة قبل توزيعها؛ لأنه له فيها الخمس ولا شيء له بعد ذلك.
فقال: {وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:161] حتى لو كان نبياً، والغلول كبيرة من الكبائر، ولا يمكن أن يقع النبي في كبيرة، ولكن الله تعالى ضرب هذا المثال لفظاعة الغلول، وأنه مهلك، وأنه حائل بين العبد وبين دخوله الجنة، ولذلك قال: (كلا، إني رأيته في النار في بردة غلها أو في عباءة أو شملة غلها)، ولذلك حينما رأى الصحابة رضي الله عنهم رجلاً يقاتل قتالاً عنيفاً حتى أن هذا القتال أثار إعجابهم جميعاً قالوا: إن فلاناً يمشي بيننا وهو من أهل الجنة، كأنهم كانوا ينظرون إليه ويعجبون به أيما إعجاب، يظنون أنه من أهل الجنة، بسبب قتاله وقوته وشدته على العدو، فقالوا للنبي عليه الصلاة والسلام: (والله يا رسول الله إنا لنرى فلاناً من أهل الجنة، فقال: وإني لأراه من أهل النار) أي: أنتم ترونه من أهل الجنة وأنا أراه من أهل النار، ففزع الصحابة أيما فزع لهذا، إذا كان هذا الرجل على قوة قتاله وتقدمه في صفوف الأعداء من أهل النار، فكأنهم قالوا: فما بالنا نحن؟ قال أحدهم: فتبعت هذا الرجل، فكلما أسرع أسرعت وكلما وقف وقفت أنظر ماذا يصنع؟ أي: ماذا يأتي من الأعمال التي تجعله من أهل النار لا من أهل الجنة، فقال: فأُصيب بسهم فلم يصبر عليه، فوضع ذبابة سيفه في بطنه فاتكأ عليه فخرج من ظهره فقتل نفسه، فذهب هذا الرجل مسرعاً إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله أترى هذا الرجل الذي قلنا فيه إنه من أهل الجنة وقلت فيه إنه من أهل النار، لقد صنع في نفسه كيت وكيت، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: الحمد لله أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله) فالأعمال بالخواتيم أسأل الله أن يحسن خاتمتنا جميعاً.
فقال: (يا ابن الخطاب اذهب وناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون).