قال: [قال عمر بن عبد العزيز: يا غيلان!] هذا من القدرية في دمشق سوريا اسمه غيلان الدمشقي.
[قال عمر بن عبد العزيز: يا غيلان! بلغني أنك تتكلم في القدر.
فقال: يكذبون علي يا أمير المؤمنين.
قال: اقرأ علي سورة يس، فقرأ عليهم: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ * إِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ * عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ * تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * لِتُنذِرَ قَوْمًا مَا أُنذِرَ آبَاؤُهُمْ فَهُمْ غَافِلُونَ * لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:1 - 7] والشاهد: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:7].
وكذا قوله تعالى: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ} [المسد:1] ما كان في إمكان أبي لهب أن يؤمن لو أراد أن يعاند، ولكن علم الله تعالى السابق أن أبا لهب لا يؤمن قط وأنه من الهالكين، فلم يؤمن ولم يحرج النبي عليه الصلاة والسلام لأنه سبق في علم الله أنه لا يقول ذلك، وأنه من الهالكين لا محالة، وأنه ليس من الناجين في يوم ما قط، فالله تعالى قال: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ} [يس:7] يعني: دخول النار، {فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:7] فلم ينطقوا بالشهادتين ولو كذباً أو نفاقاً، فالله تعالى يتكلم بعلم، فإذا تكلم بعلم عن أمر في المستقبل وأنهم لا يؤمنون نثبت العلم الأزلي لله.
ولذلك معبد الجهني وغيلان الدمشقي ما كانوا يثبتون العلم لله عز وجل.
ولذا فإن عمر بن عبد العزيز قال لـ غيلان: اقرأ علي يس، حتى تعلم أن الله تبارك وتعالى قضى على أشياء في المستقبل بأنها لا تكون، فهل هذا من العليم الخبير أم ممن لا يعلم؟ قال غيلان: لا والله، لكأني يا أمير المؤمنين لم أقرأها قط إلا اليوم، اشهد يا أمير المؤمنين أني تائب من القول بالقدر].
وهو كذاب لأنه بين يدي أمير المؤمنين الذي سيقتله ويعلقه في السقف، فهو خائف أن يواجه أمير المؤمنين.
[فقال عمر بن عبد العزيز: اللهم إن كان صادقاً فتب عليه، وإن كان كاذباً فاجعله آية للمؤمنين].
يعني: افضحه إذا كان كاذباً، واجعله آية للمؤمنين.
قال: [مر التيمي بمنزل ابن عون فحدثه بهذا الحديث.
قال ابن عون: أنا والله رأيت غيلان الدمشقي مصلوباً بدمشق] لأنه كان دجالاً، كان يكذب على أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز الذي قال: يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا.
فـ غيلان كذب على عمر بن عبد العزيز، وطبعاً من غشنا في الله أو من خدعنا في الله خدعنا له، هذا منهج أهل السنة، من أقسم بالله أنه تاب فليس لنا عليه سبيل، وحسابه على الله عز وجل، لكن علينا نحن بالدعاء له أو عليه، إن كان صادقاً فتب عليه، وإن كان كاذباً فاجعله للمؤمنين آية.
فصلب في دمشق.
وقال أبو جعفر الخطمي: شهدت عمر بن عبد العزيز وقد دعا غيلان لشيء بلغه عنه في القدر.
فقال له: ويحك يا غيلان! ما هذا الذي بلغني عنك؟ قال: يكذب علي يا أمير المؤمنين ويقال علي ما لا أقول.
قال: ما تقول في العلم -أي: في علم الله- قال: نفذ العلم.
أي: العلم لله ثابت.
قال: أنت مخصوم.
يعني: مغلوب.
فاذهب فقل ما شئت، يا غيلان! إنك إن أقررت بالعلم خصمت، وإن جحدته كفرت، وإنك إن تقر به فتخصم خير لك من أن تجحد فتكفر.
ثم قال له: أتقرأ يس؟ قال: نعم.
قال: اقرأ، فقرأ: {يس * وَالْقُرْآنِ الْحَكِيمِ} [يس:1 - 2] إلى قوله: {لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:7] قال: قف كيف ترى الآية هذه؟ قال: كأني لم أقرأ هذه الآية يا أمير المؤمنين! قال: زد.
فقرأ: {إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا} [يس:8 - 9] فقال عمر: {سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ * وَسَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [يس:9 - 10] علم الله أزلاً وسلفاً أن الإنذار لا ينفع معهم، فسواء أنذرتهم أو لم تنذرهم لا يؤمنون، ولا يعتبرون بهذا الإنذار، والذي علم أنهم لا يؤمنون هو الله.
فالله تعالى عالم قبل هذا الإ