قال: [عن عبد الرحمن بن أبي قتادة السلمي قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (خلق آدم وأخرج الخلق من ظهره -هذا حديث النفاق الذي سبق ذكره- فقال: هؤلاء في الجنة ولا أبالي، وهؤلاء في النار ولا أبالي)].
أي: حينما خلق الله عز وجل آدم أخرج من صلبه كل نسمة تكون إلى يوم القيامة، إلى آخر نسمة من صلب آدم، ثم قال وهم كالذر: هؤلاء قسم الجنة وحظها ونصيبها، وهؤلاء قسم النار وحظها ونصيبها، وقال في كل: (لا أبالي)؛ لأنه {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء:23]، فهو الذي يحاسب الخلق وحده.
[قيل: علام نعمل] أي: إذا كان ذلك مقدراً ومقسوماً منذ أن خلق الله آدم بل قبل آدم والله تبارك وتعالى يعلم أهل الجنة وأهل النار ففيم العمل؟ قال: [(على مواقع القدر)].
أي: أنك أنت لا تعمل إلا بقدر؛ لأن العجز بقدر، والعمل والنشاط والجد والخمول كل ذلك بقدر، فالله تبارك وتعالى علم أنك تفتر هنا وتنشط هنا، تصح هنا وتمرض هناك، تعلو هنا وتنخفض هناك، تغنى وتفقر، تُعز وتُذل، وغير ذلك مما يتعرض له المرء في أثناء حياته، فالله تبارك وتعالى قد علمه ليس قبل أن يخلق ذلك الشخص، بل قبل أن يخلق السماوات والأرض.
والذي يسأل: إذا كان ذلك هو القدر فلِم نعمل؟ ف
صلى الله عليه وسلم أنه لا يدري الواحد منكم في أي فريق هو، في فريق الجنة أم في فريق النار، وهذا إجابة عقلية.
أي: لو كان فهمنا مستقيم للمسألة هذه ففيم إذاً إرسال الرسل؟ أليس الأمر كله بقدر قبل أن يخلق الله عز وجل الخلق كلهم؟ فلماذا بعث الله الرسل إذاً؟ ولماذا أنزل الكتب؟ ولماذا جعلك عاقلاً؟ كل هذا لتميز به بين الحق والباطل.
فلماذا هذا العمل كله؟ لأنه لا بد أن تعمل، ومن قدر الله عز وجل أن تطيع الرسل، وأن تؤمن بالكتب، ومن الإيمان بالكتب: الإيمان بالقدر، وأن كل شيء بقدر، فلا بد أن تعمل، ولا يصلح أن تكون بلا عمل؛ لأنك ابتداءً لا تدري هل جعلك الله عز وجل من فريق الجنة أم من فريق النار؟ فإن كنت لا تدري هذا عن نفسك فلا تغتر بعملك الصالح؛ لأنه ربما يُختم لك بغير ذلك! ولا تستمر في معصيتك فربما يوفقك الله عز وجل في آخر حياتك لعمل الخير، وأن تعمل بعمل أهل الجنة فتدخلها، فلا تتمادى في معصيتك ولا تغتر بطاعتك، فرُب رجل اغتر بطاعته وفاخر بها فعاقبه الله عز وجل بأن ختم له بخاتمة الشقاء، نسأل الله السلامة لنا ولكم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: (على مواقع القدر).
أي: أنتم لا تعملون إلا بقدر، ولا تتركون العمل إلا بقدر؛ لأن الله علِم أزلاً أنك تعمل أو لا تعمل، وأنك تشقى أو تسعد، وأنك تغنى أو تفقر، وغير ذلك من أطوار حياة العبد، فلا بد من العمل، فليس هناك جنة بلا سبب، كما أنه ليس هناك نار بلا سبب، فالله عز وجل بإمكانه أن يأتي بأعظم الناس شركاً ويدخله الجنة ولا يعترض على ذلك أحد، وبإمكانه أن يأتي برجل من أهل الجنة ويدخله النار، لكنه سبحانه قطع على نفسه ألا يفعل ذلك، والله لا يخلف وعده أبداً.
إذاً: لماذا دخل هذا الجنة ودخل هذا النار؟ بالعمل.
وإن كانت رحمة ربك تسبق من دخل الجنة؛ لأن الله تعالى هو الذي وفقه لطاعته، وهذه الطاعة هي السبب في دخوله الجنة، وأما هذا الذي دخل النار فبعدل الله عز وجل؛ لأنه قد أقام عليه الحجة من كل جانب ومن كل وجه، فلا يبقى له عذر بعد أن أرسل إليه الرسل وأنزل الكتب، وجعله عاقلاً يميز بين الحق والباطل بين الصحيح والخطأ، فلا عذر لمن سلك طريق المعصية إلا أن يدخل النار، فإن كان موحداً فإنه لا محالة يخرج من النار ويدخل الجنة، وإن كان من أهل الكفر والشرك البواح؛ فإنه مخلد في النار لا يخرج منها أبداً.