مذهب المعتزلة في الصفات والرد عليهم

ومن هؤلاء المعتزلة من يتفلسف ويقول: إننا لا نحتج في صفات المولى عز وجل إلا بالأحاديث المتواترة.

وهؤلاء معتزلة، بل هم شر من المعتزلة، فمعتزلة هذا الزمان شر من المعتزلة في ذلك الزمان الأول، فإنهم تأولوا هذه الصفات وهم يعتقدون أن هذا دين يتقربون به إلى الله عز وجل، أما هؤلاء الملاحدة الذين تبنوا مذهب الاعتزال في هذا الزمان فإن التسمية الحقيقية لهم أنهم ملاحدة، ولكنهم تستروا بسترا العقل وقالوا: نحن عقلانيون، نحن تابعون للعلم الحديث، نحن معتزلة ولكنهم في الحقيقة لا يجرءون على أن يصرحوا بمكنون صدورهم؛ لأنه يؤدي بهم إلى الكفر الصريح عياذاً بالله تعالى فهنا يقولون: إن هذه الصفة ليست ثابتة في الكتاب ولذلك لا نقول بها إلا إذا وردت بأحاديث متواترة.

والرد عليهم فيما يلي: الرد الأول: أن غيرها من الصفات ثبتت في الكتاب ولم تقولوا بها؟ وهذا يدل على فساد قلوبكم، وسوء طويتكم.

الرد الثاني: أنه لا يلزم من ثبوت شيء في دين الله عز وجل أن يرد في الكتاب، بل إن الله عز وجل أمرنا أن نتبع محمداً عليه الصلاة والسلام؛ لأن سنته وحي من عند الله عز وجل: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:3 - 4]، فالنبي عليه الصلاة والسلام أخبرنا أن لله أصابع، وقد صح بذلك الخبر فلم لا نقول به؟ ولم لا نعتقده؟ ولم نرد على النبي عليه الصلاة والسلام؟ تصور أنك جالس بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول: (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) أتقول له لا هذا الخبر ليس متواتراً؟ أم أين دليلك من الكتاب؟

صلى الله عليه وسلم أنك لا يمكن أن تتكلم، ولو تكلمت بهذا الكلام الكفري بين يديه لوجدت من يؤدبك ومن يقطع رقبتك كأمثال عمر وغيره، بل هو اعتراض وتقدم بين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.

الرد الثالث: من الذي فرق في صفات المولى عز وجل بين قبول الخبر إذا جاء متواتراً ورده إذا جاء آحاد؟ من الذي قال بهذا؟ أهو النبي عليه الصلاة والسلام أم الخلفاء الأربعة أم أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام أم الأئمة المتبوعون إلى قيام القيامة؟

صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد من هؤلاء برد الخبر إذا كان في الاعتقاد إذا أتى من طريق الآحاد، بل قالوا: إذا صح الخبر فهو مذهبنا، وهو معتقدنا، وبه نقول، فإذا كان هذا الخبر قد ورد في الصحيحين بإثبات هذه الصفة لله عز وجل فلماذا لا نقول بها إذاً؟ ولذلك (أرسل النبي عليه الصلاة والسلام معاذاً وحده إلى اليمن، وقال: إنك تدعو قوماً أهل كتاب -يهود ونصارى- فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله) هذا اعتقاد.

وأرسل معاذاً وهو خبر آحاد، وقبله أهل اليمن ولم يردوا معاذاً ويقولوا له: اذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام أو اذهب إلى أبي القاسم فأخبره أننا لا نقبل هذا الكلام إلا إذا كان متواتراً، وإن النبي عليه الصلاة والسلام لما استقر عنده أن خبر معاذ كاف وحده في إقامة الحجة على أهل بلد أرسله إليهم يعلمهم الاعتقاد أولاً، فلما لم يكن هذا ولا ذاك، قام أهل اليمن وقبلوا خبر معاذ وأتوا بعد ذلك إلى النبي عليه الصلاة والسلام مسلمين، بعضهم أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليسمع بالسند العالي ما أوحى الله عز وجل به إلى نبيه.

فقولهم: إن هذا الخبر ليس في القرآن مردود.

إذاً: ماذا تصنع السنة؟ وما قيمتها حينئذ؟ كما أن خبرهم أو قولهم بأننا لا نقبل في إثبات الصفات إلا الأحاديث المقطوعة ويقصدون بها المتواترة، خبر كذلك أشد رداً مما سبقه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015