من القواعد المسلم بها عند أهل السنة والجماعة فيما يتعلق بصفات المولى تبارك وتعالى وأسمائه: أنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله، وينفون عن الله عز وجل ما نفاه عن نفسه، وما نفاه عنه رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام.
فلابد وأن نثبت الأصابع لله عز وجل، لأنه قد ورد في السنة إثباتها.
أي: نطقت السنة بإثبات أن لله تبارك وتعالى أصابع، وأحاديث صفة الأصابع لله عز وجل لم تسلم من تحريف المحرفين كأي صفة من الصفات، بل تعرضوا لها مرة بالتأويل، ومرة بالتحريف، بل منهم من تعرض لها بالتعطيل، ومنهم من تعرض لها بالتمثيل.
قالوا: إذا كنا نثبت لله تبارك وتعالى أصابع، فلابد وأنها تكون كأصابعنا، ولا شك أن هذا غلو شديد، وانحراف عن منهج النبوة فيما يتعلق بصفات المولى عز وجل؛ لأن المنهج الحق هو منهج أهل السنة وهم وسط بين أهل التعطيل وأهل التمثيل، فلا ينفون الصفة وقد أثبتها الله تعالى ورسوله، كما أنهم لا يشبهون صفات الخالق بصفات المخلوقين، فلا يمثلون صفات الباري عز وجل بصفات المخلوق الجارحة، فإننا نثبت أن لله تبارك وتعالى أصابع ليست جارحة، فلا تشبه أصابعنا، إنما هي أصابع تليق بالمولى عز وجل، ونسكت على ذلك، ونؤمن به إيماناً جازماً، فأحاديث الصفات نالها ما نال غيرها من نصوص الصفات الأخرى.
وزعم بعضهم: أن صفة الأصابع تخليط من اليهود، فقالوا: نحن لا نثبت صفة الأصابع، لأنها إنما أتت من طريق اليهود، وهذا الكلام مردود عليهم، فإن الحجة ليست بقول اليهودي وإنما في إقرار النبي عليه الصلاة والسلام، لأن خبر بني إسرائيل إن وافق ما عندنا فلا بأس وإن خالف رددناه، وإن لم يخالف ولم يوافق فإننا لا نؤمن به ولا نكذبه.
أي: لا نصدقه ولا نكذبه، فلا عبرة به عندنا، وإن قال به حبر من أحبار اليهود، والنبي عليه الصلاة والسلام ضحك تعجباً لما قال، وتصديقاً له، فإنما نأخذ الحجة من تصديق النبي عليه الصلاة والسلام لذلك الحبر.
وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص: (إن قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) ليس فيه واحد من اليهود أو النصارى بل هو خبر مسلم قح من أوله إلى آخره، وكذلك حديث النواس بن سمعان، وكلاهما يثبتان أن لله تبارك وتعالى أصابع، فلماذا نرد هذه الأخبار؟ ومعلوم أن اليهود مجسمة فما من بدعة وقعت في الإسلام إلا ولابد أن صاحبها إما يهودي أو نصراني أو مجوسي أو صاحب هوى وبدعة، فكل الانحرافات والبدع الخاصة بالعقيدة مصدرها اليهود والنصارى والمجوس، ثم أصحاب الأهواء الذين يميلون بأهوائهم إلى الابتداع لا إلى الاتباع.
وقالوا: أن ضحك النبي عليه الصلاة والسلام من كلام الحبر ليس دليلاً على تصديقه لليهودي، بل هو دليل الكراهة والغضب والاستنكار، وهذا كلام بعيد جداً.
ومتى علم أحد من المسلمين أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا أنكر أمراً ضحك له؟ وهل وجدتم دليلاً في السنة من أولها إلى آخرها أو سمع أحدكم أن النبي عليه الصلاة والسلام إذا سمع شيئاً يكرهه وينكره فإنه كان يضحك؟ إنما كان يغضب غضباً شديداً حتى يرى ذلك في وجهه، وإذا كان ذلك في عموم الأشياء فإنه من باب أولى في أحاديث الصفات لله عز وجل، فلابد أن يكون شديد الغضب، والنبي عليه الصلاة والسلام لا يسكت على باطل، وضحكه لا يدل على استنكاره، وإنما يدل على تعجبه وتصديقه.
هب أن المسألة مسألة عقول وأفهام، فأيهما أحسن عقلاً وأشد فهماً عبد الله بن مسعود الذي رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو يضحك، أم هؤلاء الذين صرفوا الضحك إلى الاستنكار ورد خبر ذلك الحبر؟ إن الواحد إذا ضحك ربما يضحك استهزاءً، أو سخرية، أو استنكاراً لما يسمع، أو تعجباً مما يسمع، أو موافقة وقبولاً لما يسمع، لأن التشريع لا يناط به، ولكن الذي يعلم أنني أضحك تعجباً أو استنكاراً هو الذي يراني أضحك، يعلم كيف أضحك، وعلام يدل هذا الضحك، فـ عبد الله بن مسعود هو الذي رأى النبي عليه الصلاة والسلام وهو يضحك، فلو كان يعلم أن هذا الضحك ليس للتعجب ولا للتصديق بل هو للاستنكار ولغرابة الخبر لصرح بذلك ونقله إلينا، بل هو الذي رأى الضحك، ويعلم من حال ضحك النبي عليه الصلاة والسلام أنه لا يستنكر ولا يستغرب وإنما قال: (ضحك النبي عليه الصلاة والسلام مما قال الحبر تعجباً وتصديقاً له).
وإذا كانت المسألة مسألة فهوم وعقول فعقل عبد الله بن مسعود أرجح، وفهمه أقوى وأشد من فهم هؤلاء الذين حرفوا النص عن ظاهره لينفوا عن الله عز وجل أنه ذو أصابع.
وادعوا كذلك أن ذكر الأصابع لم يرد في القرآن أو في حديث متواتر، والرد عليهم أنه ليس بلازم قط أنها ترد في القرآن الكريم، ودعواهم في ظاهرها حق ولكن أريد بها باطل، ولو وردت لفظة الأصابع في القرآن لأولوها كما أولوا غيرها من الصفات التي وردت في القرآن، كما أولوا صفة اليد مع أنها ثابتة لله في القرآن فأولوها بالنعمة، وبالقدرة.
المهم أنها