قال: [عن عائشة رضي الله عنها قالت: قدمت علي امرأة من أهل دومة الجندل جاءت تبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد موته حداثة ذلك -أي: بعد موته عليه الصلاة والسلام مباشرة، فلازال موته حديثاً- تسأل عن شيء دخلت فيه من أمر السحر ولم تعلم].
أي: أن هذه المرأة كانت تتعلم السحر، وأتت بعض أعمال السحر وهي لم تعلم أن هذا سحر، لكنها أرادت أن تتوب إلى الله عز وجل، فأتت إلى النبي عليه الصلاة والسلام تسأله عن صحة توبتها.
قال: [قالت عائشة لـ عروة: يا ابن أخي! فرأيتها تبكي حين لم تجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فيشفيها، فكانت تبكي حتى إني لأرحمها، تقول: إني لأخاف أن أكون قد هلكت، ثم تقص القصة، قالت: كان لي زوج فغاب عني، فدخلت عليَّ عجوز فشكوت إليها ذلك، فقالت: إن فعلت ما آمرك به فسأجعله يأتي.
فلما كان الليل جاءتني بكلبين أسودين -والكلب الأسود شيطان بنص الحديث- فركبت أحدهما وركبت الآخر -والكلب لا يركب- فلم يكن كشيء حتى وصلنا إلى بابل -وهي المدينة المعروفة- فإذا برجلين معلقين بأرجلهما، فقالا: ما جاء بك؟ فقلت: أتعلم السحر.
فقالا: إنما نحن فتنة فلا تكفري وارجعي، فأبيت وقلت: لا، قالا: فاذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت ففزعت ولم أفعل، فرجعت إليهما فقالا: أفعلت؟ فقلت: نعم.
فقالا: هل رأيت شيئاً؟ قلت: لم أر شيئاً، فقالا: لم تفعلي، ما بلت في التنور -والتنور هو الفرن- فارجعي إلى بلادك ولا تكفري، وأبيت -أي: فأرادت أن تتعلم السحر وأبت أن ترجع- فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت فاقشعر جلدي، ثم رجعت إليهما فقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ فقلت: لم أر شيئاً، فقالا: كذبت لم تفعلي فارجعي إلى بلادك ولا تكفري، فإنك على رأس أمرك]، يعني: أنت الآن لا زلت بخير.
قال: [قالت: فأبيت فقالا: اذهبي إلى ذلك التنور فبولي فيه، فذهبت إليه فبلت فيه، فرأيت فارساً مقنعاً بحديد قد خرج مني حتى ذهب في السماء وغاب عني].
يعني: لما بالت في التنور رأت فارساً مقنعاً مربوطاً في الحديد قد خرج من بدنها وصار يحلق في السماء حتى غاب عنها.
قال: [قالت: حتى ما أراه، فجئتهما فقلت: قد فعلت، فقالا: فما رأيت؟ فقلت: رأيت فارساً مقنعاً خرج مني فذهب في السماء حتى ما أراه، فقالا: صدقت، ذلك إيمانك خرج منك].
وهذا يؤيد مذهب من ذهب إلى كفر الساحر.
قال: [ثم قالا: اذهبي، فقلت للمرأة: والله ما أعلم شيئاً وما قالا لي شيئاًَ، قالت: بلى.
إن تريدي شيئاً إلا كان].
المرأة العجوز تقول لهذه المرأة بعد هذا الذي خرج منها ورأته بعيني رأسها: لا تطلبي شيئاً إلا كان.
قال: [ثم قالت: خذي هذه الحنطة فابذري، فبذرت، فقلت: اطلعي فطلعت، فقلت: احقلي -أي: املئي الحقل بهذا البذر- فأحقلت، ثم قلت: افركي ففركت، ثم قلت: أيبسي -يعني: صيري جامدة- فيبست، ثم قلت: اطحني فطحنت، ثم قلت: اخبزي فخبزت، فلما رأيت أني لا أريد شيئاً إلا كان سقط في يدي وندمت.
والله يا أم المؤمنين! ما فعلت شيئاً قط ولا أفعله أبداً، قالت عائشة: فسألت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حداثة وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وهم يومئذ متوافرون -أي: كثيرون لما سألتهم عن ذلك بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم- فما عرفوا ما يقولون لها].
وكان أمرهم مبنياً على الورع، فما عرفوا ما يقولون لها، وكلهم هاب وخاف أن يفتيها بما لا يعلم، قال: [إلا أنه قد قال لها ابن عباس أو بعض من كان عنده: لو كان أبواك حيين أو أحدهما.
قال هشام: فلو جاءتنا اليوم أفتيناها بالضمان].
كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان).
يعني: الذي فعلته قبل ذلك أنت ضامنة له، فما أفسدتي شيئاً إلا وقد وجب عليك أن تصلحي ما قد أفسدت.