والعلاج بالقرآن الكريم لا ننكره، وإنما نقول بمشروعيته، ونعتقد صحته في كتاب الله وسنة الرسول عليه الصلاة والسلام، لكن هؤلاء الإخوة المعالجون بالقرآن في الغالب أنهم يتصدرون بغير علم فيفسدون أكثر مما يصلحون، قد يكون كثير منهم في الغالب ما عنده شغل، وليس له مصدر دخل فيتخذ هذا مصدراً للدخل، وعدته قليلة، فتصور أن هذا أخف عمل يحتاج إلى عدة، فيستقبل المريض على قفاه وعلى وجهه وعلى صدره ويلاقيه وهو كامل البدن فيخرج بغير ذراع، أو بغير رجل، أو بغير ضلع.
ولم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم ضرب أحداً، ولم يثبت عن شيخ الإسلام ولا عن الإمام أحمد، والإمام أحمد بن حنبل لم يكن متخصصاً بشأن العفاريت، فلم يكن عالم متخصصاً من الأئمة لهذا الكلام.
فهذا الأمر يريد جبالاً من التقوى، لأن الجني وهو في بدن المصروع يراك قادماً عليه فيفر ويهرب.
أحمد بن حنبل ثبت عنه رضي الله تعالى عنه ورحمه أنه كان يرسل نعله، كان يبعثه مع ابن هاني، أو مع عبد الله ولده، فيأتي إلى المصروع، فينطق الجني من غير أن يكلمه عبد الله ولا ابن هاني، ويقول: قل لـ أحمد: لو أمرتنا أن نخرج من بغداد لخرجنا، ليس من هذا المصروع فقط، فـ أحمد بن حنبل كان بغدادياً، فهو من بلد صدام، فأين الثرى من الثريا؟ أما بعض أهل العلم الموثوق بدينهم وأمانتهم وورعهم، فإن الله تعالى يجري على أيديهم الطيبة الطاهرة كثيراً من الشفاء من حالات المرض، وهذا الذي يقدره الإنسان ويحترمه أشد الاحترام.
الجن يحتاجون إلى علم راسخ أصيل حتى لا يزل المؤمن مع الجن، فقد يضحك عليه هؤلاء الجن، كما رأيت بعين رأسي منذ سنوات عديدة سنة خمس وثمانين في الجمعية الشرعية بالمنصورة، واحداً من كبار القوم بل أقول: إنه صاحب مدرسة الجن في هذا العصر، أتته امرأة مصروعة على باب المسجد وقال له وليها: هذه امرأة مصروعة، وأريد أن تعالجها، وأن تقرأ عليها، فقرأ عليها إلى أن حضر الجني، فقال له الشيخ: اخرج، قال: لن أخرج إلا إذا أعطيتني سيجارة، ثم قال له الجني: أنا أشربها لكن لابد أن تولعها، فقال له: أولعها لك، ثم قال له الجني: اشرب منها نفسين، فشرب الشيخ منها نفسين ووضع السجارة في فم المصروع، وهكذا أصبح الشيخ بالنسبة للجني لا قيمة له، فالجني عرفه من أول جولة، وانتهى أمره مهما فعل لا يمكن أن يحترمه الجني.
فتصور أن إنساناً لا يحترم أحداً من الإنس ولا من الجن، هذا لخوائه وفراغه مع الله عز وجل، ولو كان صاحب علم لأخبره بحرمة الدخان فوراً، وأتى له بالآيات والأحاديث التي تذيبه ويجعله يهرب من بدن المصروع.
إنما هذا الإنسان هو الذي يسيره الجن، فكيف يستقيم هذا؟! وهذا رجل أتى إلى هذا المسجد سنة ست وثمانين وسبع وثمانين، وكان له مجلس عظيم جداً يشهده أناس كثيرون، وكان صاحب دعوة زواج الإنسي من جنية، وقال: قال بذلك ابن تيمية، والإمام مالك.
وفي الحقيقة الإمامان قالا بإمكانية وقوع ذلك مع حرمتها، وهناك فرق بين إمكانية الوقوع ومشروعية الوقوع، بدليل أن الناس تسرق وتقتل وتزني وتشرب الخمر وغير ذلك، فهذا ممكن الوقوع لكنه ليس مشروعاً، فكذلك زواج الإنس والجن ممكن الوقوع، لكنه ليس مشروعاً.
وضحك على هذه التفاهة الآلاف من الناس التي كانت تحضر له في هذا المكان، ومن ضمن ما قال: يوم الأحد الآتي سنزوج فلاناً من خشخاشة من الجن، فكلما يقول لها تظهر من أجل أن تنظر تلاقي العدد يزيد أربعة أضعاف، فإذا خشخاشة مشغولة وما قدرت تأتي، واعتذرت لي بالتلفون.
وقد التقيت به في مؤسسة الريان، وكان قد تقدم باثني عشر كتاباً لكي نطبعها، وكل هذه الكتب عن الجن، قال لي: أنا عندي موسوعة من خمسة وعشرين كتاباً، قلت: لم هذا كله؟ والآيات والأحاديث المتعلقة بهذا العالم لا تتعدى عشر صفحات في كتاب الله وفي سنة الرسول عليه السلام، لم هذا الكم الهائل تشغل الناس بالكلام الفارغ؟ قال لي: هذا كلام فارغ؟ قلت: نعم، وأنا قد أعددت لك رسالة وأسميتها: إرشاد المحتار في الرد على الشيخ العطار.
فقرأ الرسالة ثم قلت له: سأشرح هذه الرسالة في يوم الأحد القادم في مسجد الرحمة، أنا سأجلس بجانبك وأنت تقول الذي عندك وأنا أقول الذي عندي، فقال لي: لأجل هذا لا تحرجني، قلت له: إذاً: تقسم لي على كتاب الله تعالى أن خشخاشة هذه اتصلت عليك، وأنك تعلم امرأة من الجن معروفة لديك، وأنها على وعد معك أنها ستتزوج محمداً هذا؟ قال: لا والله، ولكن أحببنا أن نجمع الناس؛ لكي نقول لهم أي شيء.
فقلت: ما دام أنت جمعت الناس فلم لم تقل شيئاً، وقد ظللت شهر أو شهرين في وسط عمان تعد الناس بإيقاع الزواج، لم لم تنفذه؟! فاقتنع الرجل أن هذا غير مشروع، ولا يجوز وقوعه وغير ذلك.
وحكيت له أن رجلاً كان معنا قبل سنة خمس وسبعين في الأردن، وفعلاً كانت تظهر