شيخ الإسلام ابن القيم عليه رحمة الله صنف رسالة اسمها (الروح)، والكتاب مشهور جداً، ولكن هذا الكتاب فيه أغلاط وأخلاط كثيرة جداً؛ ولذلك يشكك كثير من أهل العلم في نسبة هذا الكتاب إلى شيخ الإسلام ابن القيم ويقولون: ليس من كلامه ولا بقلمه، ولا يتناسب مع علم المدقق المحقق شيخ الإسلام ابن القيم.
وبعضهم اعتذر اعتذاراً لطيفاً فقال: هو من كلامه وهو كتابه، وصحح نسبته إليه، لكن شيخ الإسلام إنما صنف هذا الكتاب في مقتبل عمره العلمي -أي: أيام كان صغيراً في السن- ولما كانت هذه المسألة من المسائل الدقيقة جداً التي يصعب على أهل العلم المبتدئين تحقيق مسائلها أخطأ فيها شيخ الإسلام ابن القيم.
لكن على أية حال هذا الكتاب وهو كتاب (الروح) نحن لا نحبه قط، ولا ننصح أن يقرأه طالب العلم المبتدئ، وإنما يقرأه أهل العلم الذين لهم دراية بمسائل الخلاف حتى لا تزل قدم بعد ثبوتها، وهناك كتاب (الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات) للإمام الآلوسي، وحققه شيخنا العلامة الألباني رحم الله الجميع.
قال الإمام الآلوسي في الخاتمة: (الخاتمة -ونسأل الله تعالى حسنها إذا بلغت الروح المنتهى- في بيان الخلاف في مستقر الأرواح بعد مفارقتها البدن إلى يوم القيامة والبعث)، فأين تكون الروح إذا خرجت من المؤمن ومات البدن؟ قال ابن القيم في كتاب الروح: (هذه مسألة عظيمة تكلم فيها الناس، واختلفوا فيها، وهي إنما تتلقى من السمع فقط).
أي: هذه المسألة لا يحل فيها الاجتهاد، وإنما الذي يجب فيها الوقوف عند حد السمع.
ويعني: بالسمع: القرآن والسنة، ولذلك لا يمكن أن تجد قولاً لأهل العمل يأمر بالوقوف عند حد السمع فحسب إلا إذا كانت المسألة من مسائل الغيب، ومسائل الغيب يجب وجوباً حتمياً ضرورياً أن يتوقف المسلم عند حد قال الله قال رسوله أبداً، ولا يحل له أن يتجاوز النص.
قال ابن القيم: (وإنما تتلقى من السمع -أي: لا يحل لأحد أن يخوض فيها- واختلف في ذلك).
فحينما أرادوا الخوض فيها قال الله عز وجل: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي} [الإسراء:85] أي: لا علاقة لكم بها.