قلتُ: وقد قال الشافعي: أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الخطابية من الرافضة؛ لأنهم يرون الشهادة بالزور لموافقيهم، فلم يفرق الشافعي في هذا النص بين الداعية وغيره، ثم ما الفرق في المعنى بينهما؟ وهذا البخاري قد خرج لعمران بن حطان الخارجي مادح عبد الرحمن بن ملجم قاتل علي، وهذا من أكبر الدعوة إلى البدعة، والله أعلم.
نعم المبتدع، يعني من ارتكب البدعة، والبدعة المراد بها: ما أحدث في الدين على وجه التقرب إلى الله -سبحانه وتعالى-، من ارتكب بدعة فلا تخلو هذه البدعة: إما أن تكون مكفرة مخرجة عن الملة، أو غير مكفرة، إن كانت البدعة مكفرة فلا إشكال، فالكافر لا تصح روايته قولاً واحداً، لكن يختلف مثل هذا عن الكافر الأصلي، أن هذا يدعي أنه مسلم، ويأتي ببعض شعائر الإسلام، بل قد يأتي بالشعائر كلها، ويرتكب مع ذلك ما يخرجه عن الدين، أو قد يعتقد ما حكم أهل العلم بكفر معتقده، افترضنا أن شخصاً حلولياً أو مجسماً أو نافي للرؤية، أو قائلٌ بخلق القرآن، أو ما أشبه ذلك من البدع المغلظة، العلماء كفروا الجهمية، افترضنا أن جهمي يروي الحديث، أو رافضي من الروافض الغلاة، فما حكم روايته للحديث؟ الجمهور على أن من كفر ببدعته لا تقبل روايته، والذي رجحه ابن حجر أنه لو حكم بكفره بسبب هذه البدعة أن روايته مقبولة، ما لم ينكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة، يقول: لأن كل طائفة تدعي فسق الطائفة الأخرى، وقد تبالغ فتكفر الطائفة الأخرى، لكن العبرة بالطائفة المعتدلة التي دينها الكتاب والسنة، تدور معهما حيث ما دارا، أما كوننا لا نقبل الجهمية؛ لأننا نكفرهم، وهم يكفروننا إذاً لا نقْبَل منهم، هذا الكلام ما هو بصحيح، العبرة بأهل السنة الذين هم أهل الكتاب والسنة.
يقول: "فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً" لأن استحلال الكذب عمدة الرواية الصدق، فإذا كان الراوي ممن يكذب أو يستحل الكذب، فهذا مردود اتفاقاً، يخالف مقتضى الرواية، فهذا لا وجه لقبوله، وإن لم يستحل الكذب، إذا عرف بالكذب، كذب على النبي -عليه الصلاة والسلام- ولو مرة واحدة، أو يتعاطى الكذب في حديثه مع الناس، فإن هذا أيضاً مردود الرواية.