أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ الجمهور على أن الداعية لا يقبل، وغير الداعية يقبل، ونقل ابن حبان عليه الاتفاق، اتفاق أئمتهم، والخلاف في المراد بأئمتهم هل هم المحدثون؟ أو الشافعية؟ على كل حال رد الداعية قول الجمهور، وقال بعضهم بقبول روايته لوجود رواية بعض الدعاة في الصحيح، وأشار الحافظ ابن كثير إلى عمران بن حطان، وهو من الدعاة إلى قول الخوارج، الخوارج القعدية من رؤوس الخوارج، وقد مدح قاتل علي، وهذه دعوة، والحافظ ابن حجر يدافع عن تخريج البخاري لعمران بن حطان أنه ما المانع من قبول روايته وقد عرف بصدق اللهجة؟ ومعروف أن الخوارج من أصدق الناس لهجةً؛ لأنهم يرون الكذب كبيرة، ومرتكب الكبيرة كافر، إذاً لا يكذبون، وأشار إلى ذلك شيخ الإسلام في مواضع، وأن الخوارج من أصدق الناس لهجة، وبهذا أجاب ابن حجر عن رواية البخاري وتخريجه لحديث عمران بن حطان، والعيني تعقبه بقوله: "وأيُّ صدقٍ في لهجة مادح قاتل علي" تعقب في مكانه، في محله، فالذي يمدح قاتل علي أي صدقٍ في لهجته؟ لكن إذا عرفنا أنه يعتقد مثل هذا الكلام، فمثل هذا صدق بالنسبة له، وابن حزم يرجح الداعية على غير الداعية، يقول: الداعية أولى بالقبول من غير الداعية، لماذا؟ لأن هذا الداعية ينصر ما يراه الحق، ينصر ما أداه إليه اجتهاده، وأنه هو الحق، علماً بأن من أهل العلم من يرد المبتدعة مطلقاً، وهو قولُ الإمام مالك، لكن رد المبتدعة مطلقاً، وعدم قبول روايتهم من غير تفصيل هذا قولٌ مباعد عن الشائع عن استعمال أهل العلم، فروايات المبتدعة كتب السنة طافحة بها، بما في ذلك الصحيحين، فكتب السنة مشحونة بالرواية عن المبتدعة، لكن غير من كبرت بدعته أو من غلظت بدعته، والحافظ الذهبي -رحمه الله- في مقدمة الميزان قسم البدع إلى بدع كبرى وبدع صغرى، بدع مغلظة مثل هؤلاء لا تقبل رواية من اتصف بها، وأما البدع الصغرى فمثل هؤلاء تقبل رواياتهم.