عرفنا أن الراوي المجهول أقسام، من لم يذكر اسمه مجهول ذات، وإن لم ينص على أنه مجهول ذات، لكن هذه حقيقته كالمبهم، من ذكر اسمه كامل رباعي أو خماسي، ذكرت نسبته ونسبه وكنيته، لكن لم يروِ عنه إلا واحد فهو مجهول العين، روى عنه أكثر من واحد ولم يوثق هذا مجهول الحال، عرفت عدالته الظاهرة، شخص يتعامل مع الناس ولا لاحظوا عليه شيء، يصلي مع الناس، يشهد المناسبات مع الناس، يتعامل مع الناس ما شهدوا عليه بشيء، لكن أحواله الباطنة ما يدرى عنه، عمر -رضي الله عنه- لما زكي عنده شخص، قال للمزكي: سافرت معه؟ عاملته؟ بعت معه واشتريت؟ قال: لا، قال: ما تعرفه.
هل نحتاج إلى مثل هذا في الرواة؟ نقول: هل المزكي عرفه؟ عرف حاله الباطنة؟ هل تعامل معه؟ نسأله هل تعامل معه؟ هل سافر معه ليعرف خفاياه؟ أو نقول: إنه مجرد ما يعرف حاله يصلي مع الناس، ويزكي مع الناس، يشهد المناسبات، ويتعامل مع الناس بصدق، هذه عدالته، وحال المسلمين كله مبني على هذا، ولا يلزم أن تعرف حاله الباطنة، ما يلزم إذا أردت أن تزكي شخص أن تسكن معه، أو تسافر معه لتعرف خبرته الباطنة، {وَمَا شَهِدْنَا إِلاَّ بِمَا عَلِمْنَا} [(81) سورة يوسف] ما أمرنا أن ننقب عن بواطن الناس، فالعدالة الباطنة لم نؤمر بها، بل يكفي في ذلك العدالة الظاهرة، نعم.
مسألة: المبتدع إن كفر من بدعته فلا إشكال في رد روايته، وإذا لم يكفر فإن استحل الكذب ردت أيضاً، وإن لم يستحل الكذب فهل يقبل أم لا؟ أو يفرق بين كونه داعية أو غير داعية؟ في ذلك نزاعٌ قديم وحديث، والذي عليه الأكثرون التفصيل بين الداعية وغيره، وقد حكي عن نصٍ للشافعي وقد حكى ابن حبان عليه الاتفاق، فقال: لا يجوز الاحتجاج به عند أئمتنا قاطبة، لا أعلم بينهم فيه خلافاً، قال ابن الصلاح: وهذا أعدل الأقوال وأولاها، والقول بالمنع مطلقٌ بعيد، مباعدٌ للشائع عن أئمة الحديث، فإن كتبهم طافحة بالرواية عن المبتدعة غير الدعاة، وفي الصحيحين من حديثهم بالشواهد والأصول كبير، والله أعلم.