بما ذكر، لأن مثل ذلك العاشق المهجور ليس له شغل غير التردد في منازل الأحباب، والبكاء والتوله عند تذكرها، ومشاهدة آثارها، فهو أعرف من غيره لأطلالها ورسومها.
والعهد هنا: المنزل، في "القاموس": العهد: المنزل المعهود به الشيء، كالمعهد، والمحيل، اسم فاعل من أحال، وهو الذي أتى عليه الحول، وأرسمه: فاعل المحيل، جمع رسم، وهو الأثر بلا شخص، والطلل: ما شخص من أعلام الدار، ووصف المنزل بهذا والذي بعده لإثارة حزنه وتهييج وجده، لخلوه ممن يحب، وتغيُّره بقدم الأيام، واضمحلال رسومه وأطلاله. وقوله: عفت عوافيه .. الخ، يقال: عفى المنزل: درس وذهبت آثاره، وقال أبو حاتم: أي درس ما درس منه، كقولك: خرجت خوارجه، أي: خرج ما كان داخلًا، عوافيه: دوارسه وواحد العوافي: عافية، ومعنى عافية: دارسة. انتهى.
وقوله: بل بلد ... الخ، بل للإضراب، أضرب عن السؤال عن ذلك العهد، وتركه واستأنف الكلام، وابتدأ بكلام آخر ووصف فيه قطع المفاوز وتحمل المشاق حتى وصل إلى ممدوحه. وبلد: مجرور برب مقدرة، والبلد هنا: القفر، يقول: كثيرًا من المفاوز والقفار سلكتها. والفجاج: جمع فج، وهو الطريق الواسع بين جبلين. والقتم، بفتحتين: الغبار، لغة في القتام. وملء: مبتدأ، وقتمه: خبره، والجملة صفة لـ "بلد"، وكذلك جملة: لا يشتري كتانه.
قال أبو حاتم: يقول: له سبائب من السراب لا يشتري. والجهوم: البساط من الشعر، والجميع جهارم. انتهى. قال الأزهري في "التهذيب": قال أبو عبيد عن أبي عمرو: والسُّبوب: الثياب الرقاق، واحدها سبّ بالكسر، وهي السبائب، واحدها سبيبة، وأنشد:
ونسجت لوامع الحرور ... سبائبًا كسرق الحرير