وقد راجعت ديوان حسان الذي عندي، وهو مجلد ضخم قديم تاريخ خطه شهر ربيع الأول من سنة أربع وثلاثين وثلمائة، فلم أجد البيت الشاهد فيه، لا في آخر تلك الأبيات ولا في أثنائها، ولا في موضع آخر من ديوانه، والله تعالى أعلم.
ثم قال حسان: اكتبوها صكوكًا إلى غلمان الكتاب، قال الحارث: ففعلت، فما مر بنا بضع وخمسون ليلة حتى طرق بنو عبد المدان حسان بالنجاشي موثقًا معهم، وقالوا: هذا صاحبنا قد جئناك به وحكمناك فيه، فقال حسان: نادوا في الناس، فانجفل الناس إلى أطم حسان ومعهم السلاح، ووضع لحسان منبر، فقعد عليه وبيده مخصرة، وأتي بالنجاشي وأقعد بين يديه، واعتذر القوم ثم نظر إلى النجاشي ساعة، فقال حسان لابنته: هاتي البقية التي بقيت من جائزة معاوية، فأتته بمائة دينار إلا دينارين، ثم قال: حلوا عنه وثائقه فحلوه، فقال له: دونك هذه يا ابن أخي، وحمله على بغلة ابنه عبد الرحمن، فشكروه على عفوه وكرمه، فقال له ابن الديان: كنا نفتحر على الناس بالعظم والطول، فأفسدته علينا! قال: كلا، أليس أنا الذي أقول:
وقد كنّا نقول إذا رأينا ... لذي جسم يعدُّ وذي بيان
كأنَّك أيُّها المعطى بيانًا ... وجسمًا من بني عبد المدان
وعبد المدان: هو ابن الديان، من بني الحارث بن كعب، وبنو الديان سادات الحارث بن كعب، وكان بنو الحارث إحدى جمرات العرب. وقال السيوطي هنا: البيت الشاهد من قصيدة لحسان بن ثابت، يهجو الحارث بن كعب المجاشعي من بني عبد المدان، لأنه كان هجا بني النجار من الأنصار،