فماجد خبر أنت، وارتضاه المصنف في شرح أبياته، وأنكر زيادتها بلفظ المضارع هنا، فحكم بضمير الشأن في تكون، وجعل جملة: "مزاجها عسل وماء" خبرها، وحرجه اللخمي: على أن اسم "تكون" ضمير سبيئة، وجملة: "مزاجها عسل وماء" خبرها، قال: ويجوز ان يكون خبرها قوله: من بيت رأس، وجملة تكون من بيت رأس: صفة لسبيئة، وجملة مزاجها عسل وماء: صفة ثانية لسبيئة، وعلى هذين الوجهين يقال: تكون بالمثناة الفوقية، وكذا خرجه ابن السيد في "أبيات المعاني" والسبيئة بالهمزة ككريمة: الخمر، قال صاحب "القاموس": سبأ الخمر كجعل سبئاً وسباء ومسبئاً: شراها كاستبأها، وبياعها السباء. والسبيئة ككريمةك الخمر. انتهى. وبيت رأس: قرية. قال ابن السيد فيما كتبه على كامل المبرد، قال عبيد الله بن عبد الله بن خرداذبة: بيت رأس: اسم قرية بالشام من ناحية الأردن، كانت الخمور تباع فيها، وفيها ماتت حبابة جارية يزيد بن عبد الملك، فمات يزيد بعد بضع سنين جزعاً عليها. انتهى. وقيل: بيت: موضع الخمر، ورأس: اسم للخمار، وقصد إلى بيت الخمار، لأن خمرة أطيب الخمر، وقيل: الرأس هنا بمعنى الرئيس، أي: من بيت رئيس، قال اللخمي: وهذا أحسن الأقوال، لأن الرؤساء إنما تشرب الخمر ممزوجة، وإنما اشترط أن يمزجها، لأنها خمرة شامية صليبة، فإن لم تمزج، قتلت شاربها وخص العسل والماء، لأن العسل أحلى ما يخالطها، وأنه يذهب بمرارتها. وأما الماء، فيبردها ويلينها، وإنما يشربها الرؤساء والملوك ممزوجة كراهية أن تخرجهم عن عقولهم، ألا ترى إلى قول عدي بن زيد:
رب ركب قد أناخوا حولنا ... يشربون الخمر بالماء الزلال
وقد عابت على جزيمة الأبرش أخته شرب الخمر صرفاً لأمر لحقها من ذلك، فقالت له:
ذاك من شربك المدامة صرفاً ... وتماديك في الصبا والمجون