وتثاقلهم عن إجابة مستصرخهم، وتخلفهم حين دهمهم ما دهمهم، فالنائب بمصر وما ينسب إليها براً وبحراً من أقاصي الصعيد إلى حدود جوسيه راض بمدافعة الأيام، وسلامة الشهور والأعوام، من صولة ملك الغرب ومدبره. والراتب المشار إليه بأرض العراق وما يجري مجراها إلى حدود بحر الصين وباب الأبواب يتشاغل بأساورة ديلمان وجيلان وملك خراسان في كف غربه، كما قال المساور بن هند العبسي:
وتشعبوا شعباً فكل جزيرة ... فيها أمير المؤمنين ومنبر فحاق لذلك بأهل الثغر جدده الله من قراع الروم، وقمهم الله، على وفور عددهم وقوة عددهم، ووفاق أجناس الكفرة إياهم ما ثقل حده، وعظم مرده، وامتنع مسده، بما وصفنا من خلف سلاطين الإسلام وأمرائه، وتفاوت كل منهم في شتات آرائه، وما خامر أفئدتهم من الوهل، وران على قلوبهم من الرعب والوجل، كما سبق لهم في علم الله العزيز وإرادته ألا يجعل لهم حظاً في الآخرة. فقد حدثني أبو العباس محمد بن نصر بن مكرم أحد عدول بغداد في درب الريحان أن أحمد بن بويه رحمه الله جلس بمكان أرانيه بباب داره المعزية يعرض خيله متنزهاً بالنظر إليها فقيد بين يديه من دار الدواب إلى ذلك المكان في مدة أربعة عشر يوماً متصلة اثنا عشر ألف فرس، أغلاها ثمناً بمائة ألف درهم، وأدناها ثمناً بعشرة آلاف درهم لم يطرح قط على فرس منها سرج في سبيل الله ولا في غير سبيل الله.
وحدثني أيضاً كهل من أهل أربة يعرف بابن الشعراني وقد سألته ببغداد عن منصرفه، فوصف إشرافاً على قضيم حمير برسم فناخسرو بن الحسن بن بويه رحمه الله عددها ستة آلاف حمار قد رتبها لخدمة الكراع ينقل عليها القصيل في حينه والقضيم والعلوفات في سائر الأوقات، وسألته عن عدد هذا الكراع الذي قد رتبت هذه الحمير لخدمته فذكر أن المشرف على قضيم جميع الكراع يستوفي كل ليلة قضيماً لثمانين ألف رأس، من ذلك ثلاثون ألف جمل، وعشرون ألف بغل، وعشرون ألف فرس، وستة آلاف حمار. فهذان رجلان من أمراء الإسلام وصفنا