1 - (?)
قال عثمان بن عبد الله بن إبراهيم في مقدمة كتابه الموسوم بسير الثغور ونقلته من خطه مع ما نقلته من حوادث الأمور، بعد أن حمد الله على نعمه التي تظاهرت فما تحصى، وأياديه التي ترادفت فما تستقصى: نفذت سوابق أقضيته في عالم من بريته، أسكنهم حيناً من الدهر ثغراً بأطراف الشام، نوه به وبهم في معالم الإسلام، متعهم فيه مدة من المدد، وأعزه وأعزهم إلى غاية من الأمد، ظاهرين على أعدائهم، مظفرين في قلوب إخوانهم المسلمين، معظمين مبجلين ضاقت بهم أرض الروم، وكثرت فيهم منهم الكلوم، تراءى نيرانهم، وتكافح فرسانهم، إن دنوا منهم هلكوا، وأن أمعنوا الهرب عنهم عنهم أدركوا، لا تحرزهم أرضهم وإن اتسعت، ولا تحميهم معاقلهم وإن امتنعت، تعرى بنودهم، وتهزم حشودهم، وتفل جنودهم، ويستباح حريمهم، ويستأصل كريمهم، وتروح أفنيتهم، وتهدم أبنيتهم، وتشن الغارات فيهم زيادة على مائتي سنة، حتى نبغ من نقفور بن فاردس بن الفقاس من صمد نحوهم وعندهم، وأناخ بهم وقصدهم، وأجمع على استئصالهم واجتياحهم وبوارهم، فغزاهم عاماً بعد عام، ونازلهم في عقر ديارهم يدوخ أطرافهم ويسوق عواملهم ويتردد إلى زروعهم أوان استحصادهم فيجتثها ويأتي عليها، ويتوالى لأجل ذلك سنوات الخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وضيق الأسعار وتأخر المير والأمداد وفناء الحماة من الرجال الكماة، وتلاشي الشجعان والفرسان، وانحلال الأحوال، واختلال الأبطال، وحلول الداء الذي لا دواء له والعلة التي لا يرجى برؤها، وهو نبو السلاطين حينئذ عن نصرتهم