أخيه، فإنه كان أقرب لهم إلى الله عز اسمه وأنفع للمسلمين. قال: وأوقع الأتراك البيعة لأحمد بن المتوكل على الله وسموه المعتمد، وذلك في يوم الثلاثاء، لثلاث عشرة ليلة بقيت من رجب سنة ست وخمسين ومائتين، ولم يخلع المهتدي نفسه فقتلوه، وقيل مات من سهم وضربة كانا به، وصلى عليه جعفر بن عبد الواحد الهاشمي.
وكان المعتمد جهيرا فصيحا صيتا إذا خطب أسمع أقصى الناس، وكان يمثل بينه وبين المستعين بالسخاء فيقال: ما لي لبني العباس أسخى منهما، وكان جيد التدبير فهما بالأمور جليلا في قلوب الناس، فلما جرى عليه ما جرى من تفويضه أمره وغلب على رأيه نقصت حاله عند الناس. وكان يحب الشعر ويشتهيه ولم يكن له طبع يزنه به، فكان ربما وقع له الموزون ويعملون ألحانا عليه، فيرى أنه جيد لما غنى فيه، وليس كل مغن يفهم التقطيع والقسمة ولا يغني إلا بشعر صحيح.
أنشدني عبد الله بن المعتز للمعتمد مما وزنه صحيح:
الحمد لله ربي ... ملكت مالك قلبي
فصرت مولى لملكي ... وصار مولى لحبي قال: وهو القائل لما أكثر الناصر لدين الله نقله من مكان إلى مكان:
ألفت التباعد والغربة ... ففي كل يوم أطا تربه
وفي كل يوم أرى حادثا ... يؤدي إلى كبدي كربه
أمر الزمان لنا طعمه ... فما لي ترى ساعة عذبة وقال: ومما قاله وأنشدنيه جماعة، وبعض الناس ينحله إلى غيره، لما كان في نفوسهم مما كان يقع له في الوزن:
بليت بشادن كالبدر حسنا ... يعذبني بأنواع الجفاء
ولي عينان دمعهما غزير ... ونومهما أعز من الوفاء